دخلت «عاصفة الحزم» مرحلة جديدة مع تحولها إلى شأن يستقطب اهتمام العالم، وخصوصاً عدداً من الدول الفاعلة في الأمم المتحدة، كما تتصدر اهتمام وسائل الإعلام، ناهيك عن التحولات والتغيرات على صعيد النشاط العسكري والاهتمامات الاستراتيجية السياسية في الإعلام العالمي، مع التشديد على أن هذا الحدث يتصاعد في الوعي العربي حيث هو أمر ليس عابراً، وقد لوحظ أن أسئلة النهضة العربية تعود إلى المواجهة بكثافة في صيغة الرهانات التاريخية العربية. وفي هذا وذاك تتسع رقعة الطبقات والفئات والمجموعات الاجتماعية العربية، التي تلاحق الأحداث المتصلة بـ«العاصفة»، وبتطورات مناطق أخرى مما يجتاح العالم العربي مثلاً في تونس بوقوفها أمام مرحلة جديدة من البناء، وكذلك في سوريا وليبيا.. وسوى ذلك من المشكلات الكبرى والصغرى التي تمر بها المنطقة على نحو قد ينطوي على مخاطر كثيرة وجدية. ومن فضائل المرحلة العربية المعيشة أنها تقدم أدلة ملموسة على نوايا استراتيجية خطيرة تملكها أطراف عربية وأخرى غير عربية، ويسعون من خلالها إلى إلحاق مخاطر بحياة التضامن العربي بل المشروع العربي في النهضة والتنوير والتقارب العربي، وإلا كيف نفهم مثل التصريحات التالية لعدد من الشخصيات ذات العلاقة بإيران وبالتاريخ الإيراني، بحيث يضع الأمر نفسه أمام الباحثين والمتتبعين العرب، بكل ما ينطوي عليه من أسئلة خطيرة: أليس العرب الآن أمام استحقاقات معقدة وشائكة وصعبة، من النوع الذي يماثل أو قد يماثل الاستحقاقات في مراحل من القرن التاسع عشر! بل كذلك منذ عقود ارتبطت بهزات عميقة أطاحت بالوحدة السورية وبالمجتمع المدني السوري، وكذلك بالمآسي التي مرت على العراق ولبنان وغيرهما، والآن بليبيا واليمن. إن هذا كله يطرح على الشعوب العربية بسياسييها ومثقفيها وباحثيها وغيرهم السؤال التالي الذي واجهه العرب مرات عدة في تاريخهم الوسيط والحديث والراهن: هل سيكون العرب بمستوى المهمات العظمى المعنية الآن، وحقاً الآن (وليس غداً)، وكذلك في سياقاتهم التاريخية والمجتمعية المشخصة؟ وكذلك في إطار من استقلالهم الوطني والقومي. إن من نعنيهم هنا هم أولئك الذين يفكرون من غير العرب باستعادة أمجادهم على حساب هؤلاء، يقول السيد يحيى رحيم صفوي، قائد سابق للحرس الثوري الإيراني ومستشار عسكري للمرشد الإيراني علي خامنئي: «إن حدود بلاده الحقيقية لا تقف عند شلمجة على الحدود العراقية غرب الأهواز، بل إنها تنتهي عند شواطئ البحر المتوسط في الجنوب اللبناني». كما قال مندوب مدينة طهران في البرلمان الإيراني علي رضا زاكاني المقرب من المرشد الإيراني: «إن ثلاث عواصم عربية أصبحت اليوم بيد إيران وتابعة للثورة الإيرانية»، في إشارة منه إلى بغداد وبيروت ودمشق! إذا كان الحال على هذا النحو المتصور من قِبل أولئك الطامحين، فهل بقي للعرب إلا أن يحسموا أمرهم من الماء إلى الماء، إن التحديث والتقدم والحرية والعدالة والتسامح ودمقرطة العالم العربي بكل أقطاره ودون استثناء، هي التي يمكن أن تفتح باب التاريخ العربي، من جديد، حاملاً تلك الاستحقاقات الحاسمة والتي بدأت بـ«عاصفة الحزم».