هل وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها في جبهة المحيط الهادي؟ قد يبدو هذا سؤال سخيفا في سنة يزور فيه زعيما اليابان وكوريا الجنوبية واشنطن نحو منفصل قصد إحياء الذكرى السبعين لانتصار الحلفاء في آسيا، من بين أغراض أخرى. غير أنهما يزوران الولايات المتحدة في وقت يحتد فيه التوتر بين اليابان وكوريا "مثلما كان دائما" خلال نصف القرن الماضي، كما يقول المتخصص في الشؤون الآسيوية مايكل أوسلن. رأي يشاطره كُرت كامبل، المسؤول رفيع المستوى المكلف بآسيا في وزارة الخارجية الأميركية الذي قال: "لست واثقا كيف يمكن للوضع أن يزداد سوءا"، مضيفا "إن الأمر كله مضر للغاية بالنسبة لكلا البلدين، ولكنه مضر أيضا للولايات المتحدة". ومن جانبه، يقول فيكتور تشا، المسؤول عن السياسة الآسيوية بالبيت الأبيض في عهد الرئيس جورج دبليو. بوش: "إننا لا نستطيع الاستدارة نحو آسيا إذا لم تكن اليابان وكوريا معنا"، مضيفا "والحال أن العلاقات أصبحت على نحو بات معه من الصعب القيام بذلك". كل هذا دفع الخبير نيكولاس إيبرستات، ضمن كلمة ألقاها في نفس منتدى "معهد المشروع الأميركي" الذي شارك فيه المتحدثان الآخران أيضا الشهر الماضي، إلى طرح التساؤل التالي: "كيف بوسع المرء الجزم بشأن ما إن كان يعيش في فترة ما بين الحربين أو في فترة ما بعد الحرب؟". ويقول إيبرستات إن زعماء أوروبيين يتحلون بالشجاعة ساهموا في وضع حد للمسائل التاريخية بشكل نهائي في أواخر الأربعينيات والخمسينيات حيث ربطوا بين فرنسا وألمانيا، ولاحقا كل القارة، ضمن سوق مشتركة للفولاذ في البداية، ثم في حلف الناتو والاتحاد الأوروبي لاحقا. أما في شمال شرق آسيا، فلا وجود لبنيات من هذا القبيل، سواء للأمن أو للاقتصاد إذ مازالت ثمة كوريتان وصينان. واليابان لديها نزاعات ترابية مع الصين وكوريا وروسيا. والكوريون والصينيون، أو على الأقل حكومتاهم، يبدون اليوم أكثر غضبا من اليابان بسبب سلوكها قبل الحرب وخلالها مقارنة مع فترة ما قبل جيل. والحقيقة أن رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، الذي سيزور واشنطن هذا الشهر، والرئيسية الكورية الجنوبية بارك جون هاي، التي من المقرر أن تقوم بزيارة في يونيو، قد يبدوان مؤهلين لتحسين العلاقات الثنائية، وخاصة أن كليهما محافظان، وملتزمان بتحالف قوي ومتين مع الولايات المتحدة. غير أن بارك أظهرت انفتاحا أكبر من آبي على الالتقاء مع الزعماء الشيوعيين في الصين، أو حتى مع كوريا الشمالية ربما. فماذا يجري؟ الواقع أن الزعيمين قد يكونان سجينين لماضيهما، إلى حد ما. ذلك أن جد آبي كان زعيما زمن الحرب ورئيسا للوزراء خلال فترة ما بعد الحرب، وهو ما يجعله ربما مترددا في استنكار سجل اليابان إبان الحرب بدون أي تحفظ مثلما تطالب بذلك كوريا والصين. أما بارك، فقد خدم والدها في الجيش الكولونيالي الياباني، ثم أصبح رئيسا لكوريا الجنوبية؛ وفي 1965، وقع مع اليابان اتفاقية تطبيع أصبح يعتبرها الكثير من الكوريين لاحقا جد متساهلة بشأن التعويضات، وهو ما يجعلها ربما مترددة في تعريض نفسها للانتقاد والاتهام بأنها "لينة" مع اليابان. هاتان القصتان الشخصيتان تكرسان دينامية مختلة يشعر فيها اليابانيون بأنهم لا يحصلون على أي اعتراف عن الاعتذارات التي قدموها، في حين يشكك الكوريون في صدق تلك الاعتذارات ويطالبون بالمزيد. غير أنه ومثلما هو الحال مع مثل هذه القضايا، فإن الخلافات التاريخية بين اليابان وكوريا تُعتبر جزئيا بديلا للتخوفات بشأن المستقبل، حيث يخشى كلا البلدين أن تكون الصين قد بدأت تأخذ مكان أميركا. والواقع أن كلا من الصين وكوريا تعتمدان على التجارة والاستثمار مع الصين، بينما تعتمدان على الولايات المتحدة في توفير وزن مضاد في مجال الأمن. ولكن كليهما يشيران بتوجس إلى قيام الولايات المتحدة بتقليص قوتها البحرية وقول الرئيس أوباما إنه حان الأوان لـ"البناء والإعمار داخل الوطن". كما أن الحلفاء الآسيويين تابعوا بقلق سوريا وهي تتجاوز الخط الأحمر الذي رسمه أوباما وشاهدوا روسيا وهي تحدى الغرب في أوكرانيا. بيد أن أوباما صمم أيضا ما يمكن أن يكون أفضل علاج لهذا القلق، في حال لقي دعم الكونجرس المتردد حتى الآن: إنه "الشراكة عبر المحيط الهادي"، الاتفاقية التجارية التي تجمع 12 بلدا تشمل اليابان – والتي ستسعى كوريا الجنوبية إلى الانضمام إليها بسرعة أيضا في حالت أصبحت حقيقة. فهذه الاتفاقية، التي تشمل أيضا كندا والمكسيك وفيتنام، يمكن أن تبدأ في توفير البنية التي تفتقر لها آسيا – والتي عليها ينبني الاستقرار طويل المدى. بل إنها قد تساهم في إنهاء الحرب العالمية الثانية. ------ فريد حياة، محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس