تمثل المساجد إحدى أهم أدوات التنشئة والتثقيف، التي يمكن من خلالها القيام بدور إيجابي في توعية أفراد المجتمع والتصدي لبعض القضايا والإشكاليات والسلوكيات الخاطئة، كعدم احترام قوانين العمل، وعدم الالتزام بقواعد السير والمرور، وعدم تجاوز السرعات المحددة على الطرقات، والعنف المجتمعي، والتحذير من مخاطر الإدمان والمخدرات، وغيرها من القضايا التي ترتبط بأمن المجتمع واستقراره. ولعل من يتابع خطب الجمعة يتأكد من مدى حيوية الدور الذي أصبحت تقوم به المساجد في دولة الإمارات العربية المتحدة، وخاصة أنها تتطرق إلى مختلف القضايا التي تستحوذ على اهتمام أفراد المجتمع، مواطنين ومقيمين، ولهذا من الضروري العمل على توظيف هذه الخطب بشكل فاعل، كي تصل رسائلها بدقة ووضوح، وخصوصاً أن استثمار الوازع الديني لدى شريحة عريضة من المواطنين والمقيمين، يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية تفوق تأثير الأدوات الأخرى من قوانين وعقوبات في بعض الأحيان. تولي دولة الإمارات العربية المتحدة اهتماماً استثنائياً بتطوير المساجد والارتقاء بدورها، وهذا يشكل أولوية ثابتة منذ عهد المغفور له -بإذن الله تعالى- الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي كان يعتبرها مكوناً أصيلاً من مكونات المجتمع، وفي ظل قيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة -حفظه الله- الذي يوجه دوماً القائمين بالعمل على تطوير المساجد إلى الارتقاء بدورها لتعبر عن القيم السمحة للدين الإسلامي، وتتصدى للفكر المتطرف الذي يغذي العنف ويبرر اللجوء إلى الإرهاب، وتركز على القيم الإيجابية التي تعزز السلم الداخلي. وضمن جهود تطوير المساجد، فقد أعلنت شركة أبوظبي للخدمات العامة "مساندة"، مؤخراً، أنها أعادت تأهيل 255 مسجداً على مستوى إمارة أبوظبي بين عامي 2012 و2014، وذلك حرصاً منها على توفير بيئة مناسبة للمصلين والارتقاء بدور العبادة وتعزيز مكانة بيوت الرحمن في نفوس مصليها، وحتى تستعيد المساجد دورها الحيوي في تنوير المجتمع وتوعيته. وتمتلك دولة الإمارات العربية المتحدة مجموعة من المساجد التاريخية والأثرية والحديثة التي تعكس وجهها الحضاري والعمراني، في مقدمتها مسجد الشيخ زايد الذي تم افتتاحه خلال عام 2007، وتم تصميمه وفقاً لأعلى المعايير المعمارية والجمالية، ولذا يعتبر من أهم المعالم المعمارية في العالم، كما يمثل قيمة دينية ورمزية كبيرة، فقد تم تأسيسه ليسهم في تعميق الثقافة الإسلامية وقيمها السمحة، وذلك برؤية من المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي أراد لهذا المسجد أن يكون منبراً لتعريف شعوب العالم بالدين الإسلامي الحنيف. تؤمن دولة الإمارات العربية المتحدة بأن إصلاح الخطاب الديني، والعودة إلى الصورة السمحة للدين الإسلامي الحنيف وإعمال مبادئه وقيمه الإيجابية التي تشجع على التطور والمضي قُدماً إلى الأمام، من شأنه أن يحقق التنمية والاستقرار في المجتمعات الإسلامية، ويتصدى لنزعات الصدام والعنف، ويقدم صورة إيجابية عن المجتمعات والدول الإسلامية على الساحة الدولية، ولهذا تولي تفعيل دور المساجد أهمية بالغة لكي تقوم بهذا الدور الحيوي، ويبرز في هذا الخصوص ما تقوم به الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف من جهود لتأهيل الدعاة والأئمة ورفع مستواهم العلمي والثقافي، كما يمثل برنامج ضيوف صاحب السمو، رئيس الدولة، من العلماء خلال شهر رمضان المبارك، واحدة من المبادرات النوعية في هذا الشأن، حيث يستضيف نخبة من الوعاظ والعلماء من مختلف الدول العربية والإسلامية، والمعروفين بالوسطية والاعتدال لإحياء الشهر الفضيل، عبر إلقاء المحاضرات في المساجد والمشاركة في البرامج الدينية والاجتماعية، التي تسهم في تنمية الوعي الديني وغرس القيم الإسلامية النبيلة بين أفراد المجتمع.