من المفارقات غير الملحوظة لحادث الطائرة «جيرمان وينجز» – بالرغم من أن كلمة «حادث» لم تعد مناسبة – هي أن الطائرة المعنية كانت تستخدم ما يسمى بتكنولوجيا «فلاي باي واير» (أو الطيران عبر الأسلاك حيث تسيطر الطائرة علي وجهتها إلكترونياً، من خلال تحويل الحركة في الطائرة إلى إشارات إلكترونية تنتقل عبر الأسلاك إلى مشغلات أسطح التحكم لتوفير الإجابة للأوامر). فمدخلات التحكم لطاقم الطائرة لا تذهب إلى الجنحيات والرافعات، بل إلى جهاز كمبيوتر يقرر كيفية تنفيذ أوامر الطيارين. ومن بين وظائف هذه التكنولوجيا، وهي موجودة في جميع الطائرات الجديدة، هي حمايتها من أي تصرفات خاطئة أو غير حكيمة من جانب الطيار. بيد أن الطيار لا يزال يملك القرار الأخير. فإذا أراد، يمكنه تجاوز أجهزة الكمبيوتر. وتعد هذه واحدة من بديهيات الطيران، التي تم تداولها عبر الأجيال، وهي أن سلطة الطيار – والمفترض أنها تعمل من أجل سلامة الرحلة والمسافرين - هي سلطة مطلقة. إنه الملك والطائرة هي مملكته. وهكذا، بينما تستطيع أجهزة الكمبيوتر حمايتنا من أخطاء الطيار، إلا أنها لا تستطيع الدفاع عنا ضد شره: فلا يوجد منهاج، ولا تكنولوجيا حالية، بإمكانها منع طيار عازم على قتل نفسه، مع طائرة مليئة بالركاب كأضرار جانبية – كما يبدو أنه حدث على جبال الألب. لقد تعلمنا الآن شيئاً عن الأقفال المركبة في الأبواب المصفحة التي من المفترض أنها تفصل طاقم الطائرة عن أي راكب إرهابي. بيد أن مهمة تصميم هذه الأبواب، بعد 11 سبتمبر، لم يكن لغزاً شائكاً يمكن أن يصل فيه مريض بدرجة كافية وشخص منطقي إلى إجابة صحيحة. وعندما يكون الركاب والمضيفات والطيارون كلهم أعداء محتملين، فما مزيج الأقفال والبروتوكولات التي من الممكن أن تعمل؟ إن الانتحار عن طريق الطائرات نادر جداً. وفي معظم الحالات – وكل الحالات، التي أعرف عنها، في الطائرات الخاصة، والتي هي الأغلبية - يكون الطيار بمفرده. وعلى الرغم من ذلك، ففي العقدين الأخيرين، كانت هناك خمس أو ست حوادث قام فيها أحد أفراد طاقم الطائرة عمداً بتحطيم طائرة مليئة بالركاب. وما زال الطيارون هم السبب في معظم الحوادث – بالرغم من أن الأخطاء البشرية تجد فرصاً أقل في أنظمة التحكم الذاتي. وابتداء من الفترة الوجيزة التي تسبق إقلاع الطائرة وحتى الفترة القصيرة التي تسبق هبوطها، فإن الطائرات تقوم بعملية الطيران بذاتها، بينما يتحدث الطيارون مع وحدات التحكم ومع بعضهم البعض علاوة على تزويد أنظمة الإدارة بالبيانات. وفي الضباب الكثيف، مع وجود المطارات والطائرات المجهزة بالمعدات المناسبة، تكون عملية الهبوط عمياء تماماً. والغريب أن عملية الإقلاع، والتي يمكن القول إنها أبسط جزء في تشغيل الطائرة، هي التي تفتقر حتى الآن إلى الأداء التلقائي - ويرجع هذا إلى حد كبير إلى مقاومة الطيارين أكثر من صعوبة المهمة. وفي نهاية الأمر، يمكن حتى هذا أن يتغير. إذا ما كان يمكن صناعة سيارات ذاتية القيادة – كما هو مفترض - إذن فبالإمكان تحرير الطائرات من آخر مرحلة من عدم الموثوقية، ألا وهي الطاقم. ولكن ماذا سيكون شعورك، عند الصعود إلى الطائرة، إذا لم يكن هناك في المقدمة من يقوم بتشغيلها؟ ألا تفضل رؤية طاقم بشري؟ إن معظم الناس يفضلون ذلك. بيتر جاريسون طيار ومحلل لحوادث الطيران ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»