متابعة الإعلام العالمي تؤكد مرة أخرى أن منطقة الشرق الأوسط - وخاصة الخليج - لا تزال تحتل الصدارة، وليس كل ما يقال على هذا المستوى من النوع الذي يثير السرور والغبطة، من كوارث إنسانية مؤلمة في معسكر اليرموك، سوريا أو اليمن أو سلوك «داعش» من ذبح وحتى تدمير كنوز أثرية عاشت آلاف السنين، وجعلت منطقة الشرق الأوسط شبيهة بالمتحف التاريخي النادر الذي لا يماثله أي إقليم آخر في العالم في هذه الثروات. ما يسيطر على حديث الصالونات الثقافية أو أبواب الأحداث الخارجية حتى في الصحف المحلية - من نيويورك إلى سان فرانسيسكو أو فلوريدا - هو الاتفاق الذي أبرمته الدول الست الكبرى مع طهران، ومثل الكثير في الإعلام العربي، يركز هذا الإعلام في الشمال الأميركي على الناحية العسكرية، وهذا نتيجة هذه المفاوضات التي امتدت لأكثر من عامين، واتسمت في مراحلها الأخيرة بنوع من الإثارة - مثل أفلام «هتشكوك» والقصص البوليسية: أي هل سيكون هناك اتفاق فعلاً أم لا.. وأخيراً تم توقيع اتفاق الإطار وإعلان معظم بنوده، وليس كلها، خاصة فيما يتعلق ببعض التفاهمات. وقد يمثل هذا الاتفاق فعلاً علامة حاسمة في هيكل العلاقات في المنطقة كما سأبيِّن لاحقاً؛ لأنه يجب التذكرة أن ما أعلن في الثاني من أبريل هو اتفاق إطاري باللغة القانونية، أو اتفاق مبادئ باللغة الدارجة، ويجب الآن تطبيق هذه المبادئ في اتفاق محدد وملزم، بمعنى تفسيرها وتوضيحها وحتى الإضافة إليها، وقد لا تكفي المدة المعلنة حتى شهر يونيو لعمل هذا، بل قد تُطيح بعض الخلافات باتفاق المبادئ نفسه ونعود للوراء بدلاً من التقدم للأمام، وذلك بالرغم من أن واشنطن وطهران - باستثناء «الصقور» في داخل كل منهما - يودان إتمام هذا الاتفاق وتنفيذه. بالنسبة للإدارة الأميركية - وباختصار شديد - فهي تود إبرام الاتفاق؛ لأنها تعتقد أنه ليس هناك حلاً عسكرياً لموضوع الأسلحة النووية الإيرانية، وهذا هو أهم الخلافات العلنية - وأكرر العلنية - مع حليفتها إسرائيل تحت قيادة نتنياهو. الأهم من ذلك بالنسبة لواشنطن - وكذلك لمعظم الـ (5 + 1) المشاركين في المفاوضات مع إيران هو أنه حان الوقت لإشراك طهران في العملية السياسية، دولياً وخاصة إقليمياً. وفي الواقع ما يهم طهران بالدرجة الأولى هو الجانب السياسي؛ لأن الناحية العسكرية ما هي إلا وسيلة - تماماً كما قال كلاوزفيتز، الجنرال الألماني الشهير والمعترف به زعيم الفكر الاستراتيجي المعاصر: الوسيلة العسكرية ما هي إلا مزاولة السياسة بطرق أخرى. أي أن الاستراتيجية الناجحة - حتى أثناء أتون الحرب الدامية - ترتكز دائماً على هدف سياسي. فعلى العكس من إسرائيل مثلاً المهدد وجودها نفسه بالخطر، فإن السلاح النووي بالنسبة لإيران هو مكانة سياسية أكثر منها عسكرية، وطالما يتم الحصول على هذه المكانة السياسية بطرق أخرى، تكون نتيجة المفاوضات ناجحة بالنسبة لطهران. بمعنى آخر، إذا تم الاعتراف من جانب الدول الكبرى بمكانة إيران كزعيم إقليمي تتكلم باسم المنطقة ككل، يكون هذا المكسب الأكبر بالنسبة لطهران. التركيز على الناحية النووية هو المعلن، وهذا فخ يقع فيه ويروج له الإعلام العالمي والإقليمي، عن وعي أو دون وعي. وما يجري تحت الطاولة - أي الناحية السياسية - هو الأهم، وهو ما يدفع نتنياهو مثلاً للثورة والغضب - السؤال المهم: ماذا تفعل دول الخليج إزاء هذه الناحية السياسية الأهم؟