تمكنت دول ما درج على تسميتها بـ(5+1) التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية من التوصل إلى اتفاق إطاري مع إيران بشأن برنامجها النووي يتم على أساسه استمرار التفاوض بين هذه الأطراف في سبيل التوصل إلى اتفاق نهائي حول هذا البرنامج المثير للجدل في الصيف المقبل. ومن حيث المبدأ رحب العالم أجمع، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، ولكن بحذر شديد، بهذا الاتفاق على أساس أنه خطوة جيدة قد تقود في المستقبل إلى أن تستوعب إيران بأن سعيها إلى تصنيع الأسلحة النووية أمر غير مرحب به على الإطلاق ويرفضه العالم. وفي تقديرنا أن الطريقة التي تم الإعلان بها عن هذا الاتفاق الإطاري بأنه تم على عجل وبأي ثمن، خاصة من قبل الإدارة الأميركية التي تسير ولايتها نحو الانتهاء بعد عدة أشهر، وتريد أن تترك لنفسها نجاحاً في المنطقة العربية وجوارها الجغرافي. إن السؤال المهم في هذا المقام هو: ما الثمن الذي تريده إيران في مقابل تغيير وجهة نظرها حيال إقدامها على تصنيع الأسلحة النووية؟ وهل بإمكان المجتمع الدولي، خاصة الولايات المتحدة دفع هذا الثمن مع العلم بأن قائمة المطالب الإيرانية طويلة جداً؟ وقد يستغرب القارئ من القول بأن قائمة المطالب الإيرانية طويلة جداً، وربما أن البعض منها ليس في يد الولايات المتحدة والدول الغربية مجتمعة تقديمها لإيران في مقابل تخليها عن تصنيع قنبلتها النووية. وإذا شئنا وضع قائمة لتلك المطالب، فإن أهمها، هي: رفع العقوبات المفروضة عليها، وضمان سلامة النظام والأمن الداخلي الإيراني، ومنحها دوراً محدداً في مسائل الأمن في المنطقة من أفغانستان، مروراً بالعراق وانتهاء بسوريا ولبنان وربما دول عربية أخرى، وإدخالها في منظومة حماية أمن الخليج العربي كصاحب الدور الرئيسي، وإشراكها بشكل مباشر في القضية الفلسطينية، ودمج ميليشيات "حزب الله" في الجيش اللبناني، ووضع البرامج والأسلحة النووية كافة في المنطقة، بما في ذلك برامج وأسلحة إسرائيل تحت الإشراف الدولي، وتأسيس هيئة عالمية للإشراف على إنتاج وإمدادات وأسعار النفط في المنطقة، والأعجب في هذه القائمة الطويلة هو إعطاؤها دوراً في إدارة الأماكن المقدسة، وبالتحديد الحرمين الشريفين في الديار المقدسة، وهذا غيض من فيض في قائمة المطالب الإيرانية، دع عنك جانباً مطالبها بالتدخل في الشأن العراقي والسوري واليمني، فهذه مسائل صارت تنظر إليها إيران بأنها مسلمات. الغريب في الأمر أن هذا الاتفاق الإطاري بالصورة التي ظهر بها حتى الآن يعكس الحيرة الشديدة التي تمر بها الولايات المتحدة والمشاركين معها في المفاوضات حيال إيران، فإلى الأمس القريب كان الحديث يدور عن أن جميع الخيارات مفتوحة لوقف إيران عن تصنيع الأسلحة النووية بما في ذلك توجيه ضربات عسكرية إلى المنشآت النووية الإيرانية أو أية أهداف أخرى في إيران، لكن ما تم من اتفاق سريع لم تكشف تفاصيله الدقيقة بعد ينم عن أن الأطراف الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، ليس لديها أية خيارات حقيقية أخرى لمجابهة إيران أو تحقيق مصالحها لديها سوى الجلوس معها على طاولة المفاوضات، وربما الخضوع لشروطها ومطالبها التي يمكن تحقيقها، وإن كان ذلك على حساب مصالح جميع الأطراف الأخرى في المنطقة، خاصة دول مجلس التعاون الخليجي وإسرائيل، وربما عدد من دول الإقليم الأخرى، وبالتأكيد أن هذا الميل الغربي نحو إيران يوجد له أثمان أخرى ستسددها إيران إلى جانب التراجع التكتيكي عن برنامجها الخاص بالتسلح النووي. وربما أن الوعي الكامل من قبل دول العالم العربي بحقيقة أن الولايات المتحدة ودول الغرب الأخرى يهمها تحقيق مصالحها الوطنية الاستراتيجية العليا في المنطقة أياً كان الطرف والحليف الذي يتم من خلاله ذلك، وربما أن إيران هي الحليف القادم، فانتبهوا أيها العرب لأن المستقبل القريب قد يحمل لكم العديد من المفاجئات غير السارة على الصعيدين السياسي والأمني.