لاقى الاتفاق الإطاري الذي تم التوصل إليه في الأسبوع الماضي بين مجموعة الخمسة زائد واحد وإيران تأييداً دولياً واسعاً، ما عدا إسرائيل وأعضاء الحزب "الجمهوري" الذين يلعبون دور المصفق المأجور لبنيامين نتنياهو، هذا بالإضافة إلى أن الاتفاق يشير إلى مدى عزلة أميركا وعجزها في الدفاع عن الخيارات المنطقية، وبالنسبة لي ورغم كل الجدل الذي يحيط بالملف النووي الإيراني، كنت دائماً على قناعة بأنه ينطوي على تهويل ومبالغة غير مبررين، فحتى لو اكتسبت إيران السلاح النووي لن يكون لذلك أي قيمة استراتيجية، عدا ما تسعى إسرائيل التي تملك هي نفسها قوة ردع نووية في البحر والبر والجو، لإسباغها عليها على أمل أن تسارع أميركا إلى ضرب إيران على غرار ما قامت به في العراق خلال 2003، لتظل إسرائيل في النهاية القوة العسكرية الوحيدة الضاربة في الشرق الأوسط، بيد أن واشنطن هذه المرة تجنبت الوقوع في الفخ نائية بنفسها عن الطعم، وذلك رغم الجهود المضنية التي بذلتها إسرائيل وحلفاؤها في واشنطن لإقناع أميركا بشن حرب على إيران، والحقيقة أن جوقة الأصوات داخل الكونجرس المنادية بضرب الدول وتدميرها حتى تعود إلى القرون الوسطى ما زالت تنعق، فيما خرائب العراق ماثلة أمامنا. ولطالما سرحت بذهني بعيداً في الاعتقاد أن الحل سيكون بالتهاون مع إيران وبرنامجها النووي والتساوي في ذلك مع إسرائيل، بحيث تعطَى إيران الحق في بناء ترسانة مماثلة لإسرائيل، فيكون رد هذه الأخيرة خفض عدد أسلحتها حتى تبقى الترسانة النووية لدى الجانبين ضئيلة والوصول إلى الأخير إلى نوع من توازن الرعب تماماً كما كان عليه الأمر بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي إبان الحرب الباردة، لكني أعرف جيداً أن هذا ضرب من الخيال، بل حتى لو وصلت إيران إلى القنبلة لن ينفعها ذلك كثيراً مثلما لم ينفع السلاح النووي إسرائيل، بحيث لن يكون بإمكانها التحرش بجيرانها، ولعل ما جنته إسرائيل من ترسانتها أنه وفرت بعض راحة البال للإسرائيليين المتخوفين من الخطر الإيراني الذي ظل طيلة مدة الحديث عنه مجرد سراب، كما أن الدولة العبرية التي تملك الصواريخ والقنابل النووية والغواصات، كانت دائماً عرضة للهجمات والحروب غير النظامية وأيضاً لانتفاضة الفلسطينيين، هذا فضلا عن دخولها حروباً دموية مع ميلشيات غير تابعة للدولة سواء في الأراضي الفلسطينية، أو لبنان، والأمر نفسه ينطبق على إيران التي لن تحميها القنبلة النووية من الاضطرابات والقلاقل، وإنْ كان تسلحها النووي سيقض مضاجع العديد من الأطراف. ويبقى السؤال الأساسي عما إذا كان الطرفان سيتوصلان إلى اتفاق نهائي بحلول يونيو المقبل، فقد نجد أنفسنا أمام العقبات والعراقيل نفسها التي نواجهها اليوم، وإن كان الأرجح أن تتفق إدارة أوباما وشركاؤها الأمميون وألمانيا مع طهران حول بنود معاهدة شاملة، رغم أن مجلس الشيوخ الأميركي الذي يسيطر عليه "الجمهوريون" قد لا يصادق على الاتفاق، وهو بالفعل ما تعهد به "الجمهوريون"، لكن السياسة الخارجية من اختصاص الرئيس، يضاف إلى ذلك أن المفاوضات الجارية مع إيران ليست مقتصرة على أميركا، بل تشارك فيها الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ومعها ألمانيا، وهي كلها غير خاضعة للمزاج الأميركي، ما يعني أن "الجمهوريين" لن يستطيعوا فعل شيء عندما يصادق مجلس الأمن الدولي على الاتفاق دون اعتراض من أحد، ثم يسارع إلى رفع العقوبات المفروضة حالياً على إيران، لتبقى الولايات المتحدة لوحدها في عزلتها وتعاطفها اللامشروط مع إسرائيل، ولا شك أن هذا الأمر سيناسب إيران كثيراً التي تتوق إلى التحرر من نظام العقوبات والعودة مجدداً إلى حظيرة الاقتصاد العالمي في تعاون تام مع أوروبا وآسيا وكندا وأميركا اللاتينية، بل أيضاً مع الروس والصينيين، ولربما ذهبت أبعد من ذلك في الانضمام للمؤسسات المالية البديلة التي تسعى الصين لاستحداثها، وفي النهاية سيفرض "الجمهوريون" بسبب خياراتهم الخاصة عزلة اقتصادية على أميركا تستفيد منها إيران وباقي أطراف المجتمع الدولي الراغبة في ربط علاقات تجارية واقتصادية مميزة مع طهران. ـ ـ ـ ـ ـ محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «تريبيون ميديا سيرفس»