قبل سنوات قليلة فقط كانت غانا تبدو وكأنها إحدى قصص النجاح القليلة في أفريقيا، فقد كان هذا البلد يسير على طريق واضح من النجاح تمثل في تسديده لديونه، كما أنه كان محط ثناء دائم من المجتمع الدولي لتدبيره خمسة انتقالات سلمية للسلطة منذ عام 1992، إلى درجة أنه عندما زار الرئيس الأميركي بيل كلينتون البلاد في 2012 وصف غانا بأنها «قصة نجاح مذهلة»، وأشاد بالحكومة «لخدمتها مصلحة الشعب وليس فقط القلة». ولكن في تلك السنة ذاتها التي شهدت زيارة كلينتون عانت البلاد من سلسلة انقطاعات مستمرة للكهرباء التي تحولت إلى ملمح شبه ثابت في حياة الغانيين، بل عمت تلك الانقطاعات العاصمة «أكرا»، فالنقص الذريع في التيار الكهربائي بدأ يمتد إلى أحياء كبيرة في العاصمة، والمشكلة أنه عندما تختفي الإنارة وتنقطع الكهرباء تتوقف عجلة الإنتاج في المصانع ويتضرر الاقتصاد، ويضطر المواطنون الحانقون على الوضع إلى تدبر أمورهم بوسائلهم الخاصة من خلال مولدات الكهرباء التي لا تتوفر للجميع. وبالنظر إلى عوامل أخرى يعاني منها الاقتصاد الغاني مثل تراجع أسعار المواد الأولية وهبوط سعر النفط في الأسواق العالمية، وتضاف إلى ذلك معضلة انقطاع التيار الكهربائي، فإنه ليس غريباً أن تسجل البلاد أدنى مستويات النمو. وهذا الوضع المؤسف دفع غانا إلى التماس مساعدة صندوق النقد الدولي، وهو ما سارع إليه الصندوق بالفعل من خلال القرض الذي منحها إياه بقيمة 940 مليون دولار، وهو مخصص لإعادة الاقتصاد إلى سِكته. ولكن مع ذلك وفي ظل استمرار مشكلة انقطاع التيار الكهربائي حتى بعد الحصول على القرض يتساءل الكثير من المراقبين عن شفافية استخدام المال وتوجيهه الوجهة الصحيحة! والحقيقة أن قصة صعود غانا كانت منذ البداية غير قائمة على قاعدة متينة، كما أنها انطوت على كثير من المبالغات، فقد ارتكز النمو الكبير الذي سجله الاقتصاد في 2010 على عمليات التنقيب على النفط في عرض البحر، فضلاً عن انتعاش سوق الذهب الذي تنتجه البلاد وسرع من توافد المستثمرين على غانا. ولكن عندما انفجرت فقاعة المواد الأولية وتراجعت أسعارها بنسب كبيرة خرجت رؤوس الأموال وكف المستثمرون عن الاهتمام بالبلد، وهو ما أدى في النهاية إلى انكماش مجمل الاقتصاد كما تعكسه الأرقام، فبعد أن وصلت نسبة النمو الاقتصادي في 2011 إلى 15 في المئة تراجعت إلى 4,1 في المئة خلال السنة الماضية، فيما فقدت العملة المحلية 31 في المئة من قيمتها في 2014. غير أن هذا التراجع الكبير في الاقتصاد ما كان له أن يكون بهذه الحدة لو تعاملت الحكومة الغانية مع مواردها خلال فترة الوفرة بحكمة وحذر، والحال أن الحكومة فشلت في الاستثمار والادخار، ففي الوقت الذي كان فيه عجز الموازنة في غانا حتى خلال الوفرة 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ظل قريباً منه بعدها بحوالي 9,2 في المئة، ما يعني أن غانا لم تستغل وضعها المالي المريح في 2012 لتقليص عجز الموازنة لتدفع الثمن غالياً بعد تبخر تلك الوفرة. وأكثر من ذلك فربما قصرت الحكومة الغانية أيضاً في مجال تطوير البنية التحتية، فشبكة الطرق على امتداد البلاد تبقى ضعيفة، هذا فضلاً عن النقص في البنية التحتية الخاصة بالطاقة، وهو ما يفسر إلى حد كبير الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي والمعاناة الكبيرة للقطاع الصناعي كنتيجة لذلك، ولذا ظلت مشكلة غانا مع الطاقة نفسها كما كانت في السابق، حيث لم تستثمر في مصادر توليد الكهرباء حتى التقليدية منها، بل استمرت في الاعتماد على الطاقة الهيدروليكية التي تقل مع تراجع المياه. ولم تستغل الحكومات المتعاقبة الموارد المالية المهمة للاستثمار في الطاقة الأحفورية، وفي تفسير هذا القصور يرى العديد من الخبراء والمحللين أن قدراً كبيراً من تلك الأموال ابتلعها ثقب الفساد الهائل وسوء الإدارة، ما يعني ضرورة إرساء الآليات السياسية الضرورية للمراقبة وتتبع عمليات الصرف وتحصيل الأموال، وهو أمر يتعين أن تتعاون فيه غانا مع المنظمات الدولية والمجتمع المدني لمنع تكراره ووقف التدهور الاقتصادي. آدام مينتر كاتب أميركي متخصص في الشؤون الأفريقية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»