يأتي كتاب «حرب الصين القادمة مع آسيا» لمؤلفه الأكاديمي البلجيكي، «جونثان هوسلاج»، ليضاف إلى قائمة طويلة من الكتب في السنوات الأخيرة أخذت حول صعود الصين على الساحة الدولية، وقد تنوعت تلك الكتب حسب زاوية النظر بين التركيز على الصعود الاقتصادي إلى التحذير من التدافع الجيوسياسي في آسيا، والحقيقة أن هذا الكتاب لا يختلف عن سابقيه في لهجته التحذيرية الواضحة من تصاعد القوة الصينية في الإقليم ومنافستها المحتدمة للنفوذ الأميركي في المحيط الهادي. ولعل ما يركز عليه المؤلف هو الجانب العسكري وانعكاسه على باقي مناحي القوة الصينية، فقد أعلنت بكين مؤخراً أن موازنتها الدفاعية سترتفع خلال السنة الجارية بنسبة 10 في المئة لتصل إلى نحو 180 مليار دولار، مسجلة بذلك ارتفاعاً مطرداً ظل على وتيرته التصاعدية للسنة الحادية والعشرين على التوالي. وعلى هذا الأساس تكون الصين قد تحولت إلى ثاني أكبر دولة في العالم من حيث الإنفاق على الجيش بعد الولايات المتحدة، ولكن مع فرق واضح هو أن أميركا تتولى على عاتقها حماية حلفائها في أوروبا وآسيا، فيما لا التزامات أمنية تربط الصين مع غيرها، بل جل مجهودها العسكري وإنفاقها المتزايد موجه لأغراضها هي وحدها. وهذا التوجه من الصين نحو تعزيز قدراتها العسكرية نبّه إليه عدد من المسؤولين العسكريين والمدنيين الغربيين كان منهم ما استشهد بكلامه الكاتب وهو «جيمس فانل» الذي كان حتى وقت قريب قائد الاستخبارات في الأسطول الأميركي بالمحيط الهادي، حيث أدلى بتصريح أمام مجموعة من المسؤولين، قائلاً: «علينا ألا نخدع أنفسنا لو تُركت الصين من دون مراقبة ستعمل بالضرورة على زعزعة استقرار المنطقة وستهدد أصدقاءنا وحلفاءنا». وطالب كما ينقل عنه الكاتب ببذل جهود حثيثة لردع الصين ومنعها من استخدام قدراتها العسكرية المتزايدة لفرض أجندتها في بحري الصين الشرقي والجنوبي. ويعترف الكاتب أن دول آسيا المتخوفة من الصين لم تتصالح بعد مع فكرة ظهور قوة جديدة في الإقليم تهدد بخلخلة الوضع القائم الذي استقر منذ الحرب العالمية الثانية، ما يعني حسب العديد من الخبراء أن حرباً قادمة باتت شبه محتومة في آسيا. ولئن كان الكاتب لا يذهب إلى حد توقع حرب شاملة بين الغرب والصين، إلا أنه يتنبأ باشتعال بؤر التوتر في المناطق التي تسعى بكين لضمها إلى مناطق نفوذها في آسيا، وهي مناطق ستقاوم المساعي الصينية ما سيؤدي في النهاية إلى حدوث الصدام. فالصين، يقول الكاتب، باتت غير راضية عن الوضع الحالي في محيطها وتريد تغييره بما يتناسب مع قوتها. والأخطر أنه لا مؤشرات في الأفق تقول بإمكانية المصالحة بين التطلعات الصينية التي قد تكون مشروعة لو احترمت جيرانها، وبين إمكانية التعاون مع المحيط، فالصعود يجب ألا يفضي بالضرورة إلى التوسع على حساب الغير، ولكن كما يؤكد الكاتب لا يوجد بعد ما يدل على هذا الأمر في التفكير الاستراتيجي الصيني الذي يظل غامضاً في جزء كبير منه. ولكن كيف التعامل مع هذا الصدام القائم؟ يرى الكاتب أن أمام الغرب خيارين، فبالنظر إلى الإمكانات الهائلة التي ترصدها الصين لتطوير قدراتها وتعزيز حضورها، وبالنظر أيضاً إلى مواردها المالية الكبيرة، ستكون بكين قادرة على الوقوف في وجه الغرب وتعطيل مصالحه، وليس أمام الولايات المتحدة التي توفر الحماية لبلدان خط التماس سوى الانسحاب من المنطقة بعد ترتيب تفاهمات أمنية مع الصين، أو تمكين دول المنطقة ودعمها لمواجهة المد الصيني، وفي كلتا الحالتين لابد من انخراط قوي للغرب والاعتماد على قواعده المتقدمة، متمثلة في أستراليا من جهة والحلفاء التقلديين من جهة أخرى، على غرار اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين. زهير الكساب الكتاب: حرب الصين القادمة مع آسيا المؤلف: جوناثان هوسلاج الناشر: بوليتي تاريخ النشر: 2015