يومياً، تقريباً، يعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو موقفه المعارض من البرنامج النووي الإيراني، رافضاً «اتفاق لوزان» الموقع بين إيران ومجموعة الـ5+1 حول الملف النووي، ومُصرا في الوقت ذاته على أن إطار الاتفاق يهدد بقاء إسرائيل ويمنح إيران مساراً حراً لصنع القنبلة النووية. وفي هذا السياق، قال نتنياهو إن «الاتفاق سيضفي شرعية على برنامج إيران النووي ويعزز اقتصاد إيران، ويزيد عدوان إيران وإرهابها في جميع أنحاء الشرق الأوسط وخارجه، وسيزيد مخاطر الانتشار النووي في المنطقة ومخاطر اندلاع حرب مروعة». بل إن نتنياهو حاول أن يضفي «موقفاً دولياً رافضاً للاتفاق، معلناً «هذه ليست قضية حزبية. هذه ليست قضية إسرائيل وحدها. إنها قضية عالمية لأن الجميع سيكونون عرضة للتهديد من جانب أكبر دولة إرهابية في عصرنا في حالة الإبقاء على البنية الأساسية لإنتاج ليس فقط قنبلة نووية واحدة بل الكثير الكثير من القنابل النووية»! لكن، ما هي حقيقة جوهر موقف نتنياهو من الاتفاق النووي الإيراني؟! ما يقوله نتنياهو ويعزيه إلى «الخوف من القنبلة النووية الإيرانية» لا يعكس الحقيقة، فقد كشفت التطورات والمتغيرات في المشهد السياسي الراهن بعد الاتفاق النووي، ردود أفعال مغايرة من بعض دول الشرق الأوسط وأهمها المملكة العربية السعودية التي كان العاهل الراحل عبدالله بن عبدالعزيز يحث واشنطن على مهاجمة البرنامج النووي الإيراني، بينما اليوم تعلن ترحيبها بالاتفاق الإطاري الذي توصلت إليه القوى العالمية مع طهران، مع ضرورة ملاحظة أن المسألة بين السعودية وإيران لا تقتصر فقط على الاتفاق النووي، بل في مدى تمدد إيران في الشرق الأوسط. وجهة نظر نتنياهو المعارضة للاتفاق استخدمت لأغراض ترويج نفسه سياسياً، لإظهاره بأنه حامي حمى إسرائيل والحريص الأكبر على أمنها، بل إنه قد استغل هذه المسألة في الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة، وقد نجح. بالمقابل، هل يمكن أن يكون نتنياهو أعلم وأحنك من ست دول كبرى، بكل خبرائها، من أن اتفاق الإطار يعمل في صالح الجميع، دون أن ننسى بأن بين هذه الدول أكثر أربع دول مؤيدة لإسرائيل في العالم، هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، والذين من المؤكد لن يقبلوا بتوقيع اتفاق يهدد «أمن إسرائيل» أبدا (على عكس تصريحات نتنياهو دائماً) وهو الأمر الذي أوضحه الرئيس باراك أوباما حين أعلم الأول بأن «اتفاق الإطار يمثل تقدماً ملموساً باتجاه حل شامل وبعيد المدى يسد كل الطرق أمام إيران للحصول على سلاح نووي، ويضمن أن يكون البرنامج النووي الإيراني لأغراض سلمية فقط»، مشددا على أن «الولايات المتحدة لا تزال ملتزمة بأمن إسرائيل». بل إنه أعلن أن «طاقم الأمن القومي الأميركي ينوي تكثيف المشاورات مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة بهدف توطيد التعاون الأمني بين إسرائيل والولايات المتحدة». يتبين من كل ذلك، أن المعضلة المرضية عند (نتنياهو) وعند غيره من قادة اليمين واليمين المتطرف وأتباعهما تتجسد في تحقيق مجموعة من الأهداف الصهيونية، التي تستند إلى مرتكزات قديمة/ جديدة تشكل القاعدة الأساس للاستراتيجية الإسرائيلية، التي من أبرز مرتكزاتها: مفهوم «الأمن الإسرائيلي المطلق»، و«الحدود الآمنة»، ونظرية «القوة الكاملة الضاربة» التي تقوم على امتلاك قوة عسكرية عظمى، مع تأمين أقصى الدعم والمساعدة الخارجية. ذلك أن عقيدة «الأمن الإسرائيلي المطلق» تشترط استمرار تدفق متطلبات القوة اللازمة بكل أشكالها ومكوناتها السياسية والعسكرية والاقتصادية والتكنولوجية، مقرونة بحرمان أي دولة في المنطقة من امتلاك أي سلاح متميز. ما عسى المرء أن يتوقع سوى استمرار جنون نتنياهو الذي يصر على عدم رؤية قباحة إسرائيل وسياستها التي تتوغل بعيدا في عقلية عدوانية عنصرية هدامة. مع ضرورة التأكيد أن مسألة «الأمن الإسرائيلي المطلق» ليست فكرة نتنياهو وحده بل هي عقيدة تتبناها كل حكومات إسرائيل المتعاقبة، وهذه الذرائع والأعذار الأمنية الإسرائيلية، ليست مجرد محاولات لحماية الذات، بل منطق ذرائعي هدفه تبرير سياسة السيطرة وفرض الهيمنة. فمن قبل «الذئب» نتنياهو قال «الثعلب» رئيس الدولة الصهيونية السابق شيمون بيريز الذي يطرح نفسه عالميا بصفة «رسول السلام» (وهو «الأب الحقيقي» للقنبلة النووية الإسرائيلية) في كتابه الشرق الأوسط الجديد: «إن موضوع الأمن يجب أن يتقدّم سلم الأولويات قبل تنفّس الهواء، وبقدر ما نضغط أمنياً على أعدائنا بقدر ما تتوافر لنا فرص البقاء والوجود». إن السبب الحقيقي/ العميق، إذن، هو عقيدة «الأمن الإسرائيلي المطلق» القديمة/ الجديدة.