يمكن القول إن أحداث السنوات الأخيرة كشفت لعموم الشارع الخليجي لهاث الإسلاميين خلف الكراسي، لكن لا أعتقد أن هذا حدث أيضاً مع أفكارهم التي هي ضمن الأفكار السائدة في هذه المنطقة. ولو سألنا الشارع الخليجي، بافتراض أن الإسلاميين لم يعد لهم وجود، عن رأيه في عنوان عريض كعودة الخلافة، وعن وجهة نظره في العناوين المتفرعة منها كالجهاد، ودار الإسلام ودار الكفر، والدولة الوطنية، والحدود السياسية، والدساتير الحديثة، والمساواة بين المواطنين، ودور المرأة، وحقوق الإنسان، وتدخل رجال الدين في الفضاء العام، والصراع العربي الإسرائيلي، والمجتمع الدولي.. إلخ، فماذا ستكون النتائج؟! أعتقد أن شريحة من الشارع الخليجي تعتنق تلك الأفكار، وشريحة أخرى تداعبها تلك الأفكار لكنها تعتقد أنها غير قابلة للتطبيق حالياً، وشريحة ثالثة لا موقف لها من تلك الأفكار لكنها تعتقد أنها ستهيمن على المنطقة في يوم ما، وحتى الشريحة التي حسمت أمرها وتوصلت إلى حقيقة أن تلك الأفكار غير صالحة في عالم اليوم، فهي ليست على ثقة بأن تلك الأفكار لن تجد طريقها إلى الأرض إذا ما تغيرت الظروف. القصة الحقيقية برأيي تكمن في الموقف من هذه العناوين والمفاهيم الكامنة بداخلها، وما الإسلاميين سوى شخوص للقصة، يمكن أن يذهبوا ويجيء غيرهم بثياب أخرى، ونقعد إلى ما لا نهاية نفرق بين الذي يحمل تلك الأفكار لوجه الله ومن يحملها سلالم للسُلطة! وهل الواقع الحالي مناسب لتطبيق تلك الأفكار أم نسلّم الأمانة للجيل القادم ليتصرف حسب واقعه؟! وهل علينا المضي نحو الدولة الحديثة والمدنية أم علينا البقاء أوفياء لتلك الأفكار وننظر ماذا يمكن لنا فعله في المستقبل؟! كل هذه الأفكار ما تزال معلقة في الهواء ولم نجلبها بعد إلى طاولة النقاش، كما أننا لم نحسم أمرها وأمرنا معها وما زلنا نخفيها تحت السجاد، وأعتقد أنه ليس من الصواب تجاهل الأمر باعتبار أنها مجرد أفكار في الرؤوس، وأحلام في الخيال، أو حتى هواجس وكوابيس، فطالما لم نعمل على تلك الأفكار، فإننا سنظل مشوّشين لا نعرف إن كنا مواطنين في دول قبل أن نكون أي شيء آخر، أم نحن منتمون إلى الأشياء الأخرى قبل أن نكون مواطنين؟! ولن نعرف إنْ كانت الدول القُطرية الحالية دائمة، وينبغي أن نعض عليها بالنواجذ وندافع عن وجودها حتى آخر قطرة من دمائنا، أم نحن وكياناتنا أجزاء في كيان كبير عرمرم يفترش نصف الكرة الأرضية، وأن نشوء هذا الكيان مسألة وقت ولا ريب في حدوثه؟! حين لا نعرف من نحن، وما هو تصوّرنا عن أنفسنا وعن أوطاننا وعن العالم من حولنا، ولا إلى أي شيء ننتمي أولاً، وما هي هويتنا المشتركة، فإننا لن نتوصل إلى الرؤية الصحيحة، ولن نتفق على الأولويات، ولا على الخطط، ولا على الأهداف، ولا على الأحلام، ومن الصعب أن نثق في المستقبل، ومن السهل أن نسقط مع أول هزة، وأن نستسلم مع أقل اضطراب، وأن نقف متفرجين ومهزومين عند محاولة فرض بعض الأجندات علينا لاعتقادنا في قرارة أنفسنا أن هذا سيحدث اليوم أو غداً.