عُقد في الكويت الأسبوع الماضي مؤتمر المانحين لدعم الشعب السوري، بحضور مندوبين عن 78 دولة وأكثر من 40 منظمة عربية ودولية مختصة بالشأن الإنساني. ولقد أعلن أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الذي افتتح المؤتمر يوم الثلاثاء الماضي عن تقديم 500 مليون دولار مساهمة من الكويت في المؤتمر. كما تعهدت الإمارات بتقديم 100 مليون دولار حسبما أفادت وزيرة التنمية والتعاون الشيخة لبنى القاسمي خلال كلمتها في المؤتمر. ولقد تعهدت دول غربية والولايات المتحدة بتقديم مبالغ كبيرة لدعم الشعب السوري. ولقد بلغت قيمة التعهدات في هذه الدورة الثالثة للمؤتمر 3.8 مليار دولار، وهو أعلى رقم يصل إليه المؤتمر بعد الدورة الأولى 1.5 مليار دولار، والثانية 2.4 مليار دولار. ولقد تضاعفت أرقام المهاجرين السوريين خلال العامين الماضيين، ما أوجد الحاجة إلى حوالى 9 مليارات دولار لانقاذ 18 مليون شخص في داخل سوريا وفي دول الجوار. ولقد عبّر مندوبون دوليون عن الحاجة الماسة لمساعدة السوريين الذين يعيشون في المخيمات، وتخوفوا من تفشي العديد من الأمراض الاجتماعية كعمالة الأطفال واستغلالهم، أو الزواج المبكر بالنسبة للفتيات، وعدم وجود الفرصة لحوالي 600 ألف طفل مهاجر للتعليم. كما أن الأرقام الدولية قد حصرت ما يزيد على 40 ألف مهاجر في الأردن يعيشون تحت خط الفقر، ويصرف شخص من بين خمسة أشخاص ديناراً يومياً فقط لإعالة أسرته. ومن الآثار السلبية للنزاع في سوريا انهيار الاقتصاد السوري، حيث بلغت خسائره أكثر من 200 مليار دولار، كما ارتفعت نسبة البطالة إلى أكثر من 57%. ولقد نوه الأمين العام للأمم المتحدة بدور الكويت في التحضير لمؤتمر المانحين للمرة الثالثة على التوالي، لكنه– وبلهجة غاضبة– أشار إلى دخول الأزمة السورية عامها الخامس، "وأشعر بالعار والسخط لما تفعله الحكومة السورية بشعبها"، مضيفاً بأن هنالك 220 ألف سوري قد لقوا حتفهم خلال هذه الأزمة. ومن المؤكد أن الرقم الفعلي أكثر بكثير"! وطالب (مون) بمعاقبة المسؤولين السوريين عن الجرائم الكبيرة التي أرتكبت ضد الشعب السوري. وطالب بضرورة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية وفق قرارات (بيان جنيف). ومع كل التقدير لجهود الدول المانحة والمؤسسات الأهلية، وكذلك هيئات الأمم المتحدة العاملة في المجال الإنساني لإغاثة الشعب السوري، إلا أن هنالك حالات تم الإعلان عنها بأن بعض الإعانات لا تصل إلى مستحقيها، وتوجد عصابات– في بعض الدول– تسرق الإعانات وتبيعها في السوق السوداء !؟ كما أنه من غير المنطقي – كما طالبت بذلك بعض الدول– أن يُصار إلى صرف المبالغ المطلوبة دفعة واحدة لبلد واحد؟! لما لذلك من أثر على حُسن صرف تلك المبالغ! إن بناء ملاجئ ومدارس ومستشفيات للاجئين، في أي بلد، أهم من صرف الأموال مباشرة إلى خزينة هذا البلد أو ذاك، نظراً للتقلبات السياسية، وأيضاً وجود حالات فساد لا تسلم منها بعض البلدان العربية. ولايجوز المتاجرة بمأساة الشعب السوري من أجل المصالح الشخصية أو الحزبية! ويجب أن يتم صرف المنح عن طريق الأمم المتحدة وهيئاتها المتخصصة، لضمان استفادة المنكوبين السوريين من هذه المنح، ولا تأخذ طريقها إلى جهات أخرى، كما حصل في بعض البلاد العربية مؤخراً، بل إن النظام السوري يقوم بعرقلة وصول المساعدات للشعب المحتاج، ولقد أشارت مساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون اللاجئين والسكان والهجرة (آن ريتشارد) إلى أن "مسؤولي النظام السوري يعيقون وصول المساعدات إلى الشعب السوري، والنظام السوري وافق على وصول اثنتين من أصل 30 قافلة تريد الوصول إلى سوريا لمساعدة السوريين". لقد أصبحت مأساة الشعب السوري مأساة كل العرب والمسلمين والبشر في كل أصقاع العالم، لذا فلا نستغرب أن تقف مؤسسات عربية واسلامية وأجنبية مع جهود دولة الكويت في جمع تبرعات سخية لدعم الشعب السوري. ولقد بلغ مجموع ما قدمته المؤسسات الخيرية غير الحكومية مبلغ 506 مليون دولار، منها 37 مليون دولار من المنظمة العربية للهلال الأحمر والصليب الأحمر(مؤسسات سعودية)، و50 مليون دولار من جمعية قطر الخيرية،(قطر) و40 مليون دولار من مؤسسة ثاني بن عبدالله الخيرية، (قطر) و4 ملايين دولار من هيئة الأعمال الخيرية (الإمارات)، و15 مليون دولار من جمعية الإصلاح الاجتماعي (الكويت)، و20 مليون دولار من مؤسسة عامل الرئيس (لبنان) 100 مليون دولار من رئيس هيئة الإغاثة (تركيا)، و90 مليون دولار من الإغاثة الإسلامية (بريطانيا)، إلى جانب العديد من الهيئات غير الحكومية، التي لم تبخل بتقديم التبرعات لدعم الشعب السوري. إن الشعب السوري لا بد وأن يعود إلى وطنه تحت عباءة الكرامة والحرية، وإلا فإن التبرعات والدعم يظلان أمرين مؤقتين غير دائمين، وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته في سرعة إنهاء مأساة الشعب السوري، وتأمين عودته إلى وطنه في ظل إدارة ديموقراطية حرة، وأن يتم تنفيذ القرارات الدولية المختصة بالشأن السوري دونما مماطلة، لأن أي تأخير، سيزيد من معاناة هذا الشعب، ويفاقم الأوضاع المأساوية التي يعيشها في المنافي، بل ولسوف تلقي المعاناة بمزيد من التبعات على البلدان التي تستضيف ملايين المهاجرين السوريين.