الرأي العام والمراقبون في العالم مشغولون هذه الأيام بما ترسمه السياسة الإيرانية والأميركية من خطط حول المنطقة، وكذلك بحقيقة الاختلاف السياسي بينهما منذ اندلاع الثورة الإيرانية إلى توقيع اتفاق «لوزان» الأسبوع الماضي، وهي حقيقة تنبئ بإجراءات جديدة في هذه المرة، ربما بعيدة عن تغيير الأشكال والديكورات السياسية وقريبة من المس بالقيم والمسلمات التي تخص الاستقرار في المنطقة العربية. بداية القصة، حين قال الرئيس الإيراني حسن روحاني لوكالة أنباء «رويترز» في تعليقه على توقيع اتفاق «لوزان» بين بلاده ومجموعة (5+1) حول البرنامج النووي: بأن بلاده ستلتزم ببنود الاتفاق بالكامل. فقد ظل الكثيرون، وأنا منهم، يفكرون في إمكانية تنفيذ روحاني لوعده، مع أن الجميع، بمن فيهم روحاني نفسه، يدركون أن الأمر الأول والأخير في إيران -خاصة فيما يتعلق بالسياسة الخارجية ومعها ملف الأمن- هو بيد مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، ولا يوجد مؤشر يدل على إمكانية التخلي عنه وبالتالي يبقى ضرورياً التثبت من «وعد روحاني» فيما يخص الاتفاق حول البرنامج النووي لبلاده. المسألة بالنسبة للمراقبين عبارة عن فيلم تبدو فكرته متكررة حيث قد لا تكون أكثر من عملية توزيع أدوار. فمكانة المرشد معروفة في عملية صناعة القرار السياسي في إيران، لكن هناك من يعتقد أن الأمر مع روحاني مختلف من ناحية «الإخراج»، وذلك لأسباب كثيرة ربما أهمها: أنه ابن المؤسسة الدينية، فهو «معمم» ومقرب من المرشد، وبالتالي فإنه يتوفر له ما لم يتوفر لغيره من الرؤساء السابقين. كما أنه ابن المؤسسة الأمنية، حيث كان رئيس جهاز الاستخبارات الإيراني، وكان أحد مفاوضي الملف النووي، لكن يبقى في النهاية أن الأمر موضع شك فيما يخص تنفيذ وعود الاتفاق، لأن الأخير لم يلق تأييدا من المرشد. ويبدو للمراقبين من الوهلة الأولى، أن وعد روحاني، وليس خامنئي، هي رسالة لعدم رسم الموقف النهائي لإيران في الاتفاق، خاصة وأن انتقادات شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة «كيهان» المقربة من المرشد، دليل على أن سياسة توزيع الأداور في السياسة الإيرانية موجودة وبالتالي لا يمكن الجزم بأن الأمر قد انتهى. «وعد روحاني» رسالة غير مباشرة للموقف الإيراني الذي لا يتأثر بتاتا بالرأي العام الداخلي ولا بما يتم الاتفاق عليه في أخلاقيات النظام الدولي وإنما الأمر متعلق بالمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، لذا فإن الذي يمكنه أن يعد في إيران وينفذ هو شخص واحد فقط! من الصعب التنبؤ بمواقف السياسة الإيرانية، خاصة في الملف النووي، وذلك لأسباب مختلفة بعضها داخلي (المشروع الوطني)، وبعضها خارجي (موقف إسرائيل والدول العربية)، لكن هناك سوابق إيرانية في التراجع عن العديد من الالتزامات التي لم تلق تأييداً من المرشد، وبالتالي تبقى مسألة التراجع عن وعد روحاني ممكنة أيضاً. وربما أدركت دول الخليج تلك القراءة، فظهرت مواقفها من خلال الرد على اتصالات الرئيس أوباما بقادة المنطقة، حيث كان الرد عليه بأن دول الخليج تنتظر لترى الموقف الكامل، وهي تتمنى من إيران الالتزام بالاتفاق. إن الباب مفتوح على مصراعيه لكل الاحتمالات الإيرانية، هكذا عودتنا إيران في تعاملها مع المجتمع الدولي. وعلى المستوى الشخصي فإن روحاني بوعده هذا اتخذ قرار الدخول في مغامرة كبرى فيما يخص موقفه السياسي، سواء أثمرت الاتفاقية عن توقيع نهائي لها مع بداية شهر يونيو القادم، أو لم يتحقق ذلك. فإذا لم يتحقق ما وعد به من التزام بالمبادئ الدولية فإن تاريخه السياسي، داخلياً وخارجياً، سينتهي، لأن الرأي العام الإيراني متحمس بشدة للخروج من المشاكل الاقتصادية التي يعيش فيها، أما إذا التزم روحاني فإن مسألة التطبيق الكامل لكل الاتفاقية ستعني إلغاء الثورة الإيرانية ومبادئها بالكامل وبالتالي سيكون هو بمثابة «جورباتشوف الإيراني»، أي الشخص الذي تحمل كل تبعات الآثار السلبية لانهيار النظام الحاكم في بلاده. ما أريد قوله هو أن السياسة الإيرانية يتحكم فيها شخص واحد هو مرشد الثورة، وبالتالي فإن موقفه مهم لفهم القرار النهائي. وفي الملف النووي فإن أي قرار يبدو مهماً حتى لو كان بسيطاً. وبالتالي فإن ما تم حتى الآن لا يعطينا إمكانية الحكم النهائي عليه، بل إن الكثيرين يرون أن عدم الوضوح في الملف هو الذي دفع بالمرشد لأن يفضل أن يكون بعيداً عن التأييد في الوقت الحالي، ويترك التصريحات لروحاني وظريف، على أن يكون النجاح إذا تحقق في النهاية له، أما الفشل فسيكون من نصيب روحاني.