كان يفترض أن تبدأ عاصفة الحزم منذ فترة قبل الآن، وعلى كل حال هي اليوم تحولت إلى حقيقة من شأنها إعادة الأوكسجين لمنطقة الخليج العربي. المواجهة كان لابد أن تحدث مع تمدد النفوذ الإيراني طوال سنوات تمكنت خلالها طهران من بسط نفوذها في المعادلة العربية، وهي اليوم ترسخ وجودها في العراق وسوريا ولبنان، ثم اليمن الذي لا نعرف إن كان هو النهاية أم البداية لمرحلة حرجة تمر بها المنطقة العربية عموماً والخليجية خصوصاً. نحن اليوم أمام تحولات جسيمة لا نعرف مداها، لكننا نشتَمّ رائحتها، خصوصاً بعد الاتفاق النووي الإيراني الأميركي الذي استغرقت عملية التفاوض حوله ما يقارب من 12 سنة، ولعلها أطول مفاوضات وفق تعبير أحد السفراء الغربيين قالها ذلك بتهكم وبنوع من عدم الرضا عما انتهت إليه المفاوضات. نحن اليوم بحاجة إلى مصارحة غير معتادة وإلى مكاشفة تقود للمصالحة مع النفس قبل المصالحة مع الآخر. ما أقصده أن ما حدث في اليمن جاء نتيجة لسياسات يشوبها الغموض أحيانا، وأحياناً أخرى هي تعبير عن طريقتنا التقليدية في مواجهة الأزمات. فاليمن يقبع في قلب الجزيرة العربية، وقد تركناها لمصلحة للحوثيين الذين باتوا يسيطرون على المشهد حالياً. واليمن الدولة العربية الخليجية التي كان يفترض احتواؤها ومد يد العون لها وعدم تركها للعوز الذي تم استغلاله من البعض. فما حدث في اليمن هو نتاج لسياسات تبنيناها خليجياً وفق حسابات خاطئة، وها هو هذا البلد يتعرض اليوم لمهالك كبيرة ولعلمية تدمير واسعة على أيدي الحوثيين. فالمشهد اليمني يعلق الجرس ويدعو دول مجلس التعاون الخليجي لاتخاذ خطوات جريئة تعمل على درء الخراب الذي تسببت فيه السياسات السابقة. فعلينا أن نعيد تقييمنا لوضع اليمن ونطمئن أهله إلى أن بلادهم أمامها مستقبل مشرق، وأن التدمير المتعمد لمقدراته على يدي «صالح» والحوثيين، لابد أن ينتهي بدخوله إلى منظومة التعاون الخليجي. دعوتنا لضم اليمن تحمل في طياتها محاولةً لردع إيران وغيرها ممن يحاول أن يهز الاستقرار في المنطقة. فوجود اليمن، وإن اختلف نظامه السياسي، هو ضمان لنا ولليمن ذاته، كما أنه يشكل ضرورة خليجية ملحة. وعلى دول مجلس التعاون أن تبعث بالإشارات الإيجابية لكي نضمن عدم تفتيت اليمن، ولكي يدرك الجميع أن حرب «عاصفة الحزم» ما هي إلا الطريق المؤدية إلى إعادة بناء يمن جديد يضمن لأهله وشعبه المستقبل الكريم الذي يصون كرامتهم. اليمن يتمتع بكثير من الإمكانات المادية والبشرية، وعلينا خليجياً العمل على إعادة تقييم سياساتنا في الاستعانة بالخبرات الأجنبية وأن نبدأ في سياسة تشغيل أبناء اليمن، فهم في نهاية المطاف من أهل المنطقة. الوضع الاقتصادي لليمن يعاني الأمرّين، والعمالة اليمنية تمتاز بالمهارة والإخلاص وهي قادرة على النهوض بمشاريعنا الخليجية، وهي الأكثر أماناً لنا في التشكيل السكاني المختل الذي ندركه ونعي مخاطره. الجرأة والمبادرة مطلوبتان في الظروف الحرجة، فلا نحاول المراهنة على الوقت في حل مشاكلنا، فهي تراكمات تعاملنا معها وفق «دع الغد يأتي بما يحمل». ليس من العيب أن نعترف بأخطاء الماضي وإنما العيب أن نستمر في ذات السياسة بعد أن شاهدنا نتائجها في أكثر من موقع. فـ«عاصفة الحزم» هي بداية لمرحلة جديدة تتطلب خطوات جريئة، وتحية كبيرة لمن بدأها ودفع بها.