نظم «مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية» مؤتمره السنوي العشرين بعنوان «الشرق الأوسط وتحولات الأدوار والمصالح والتحالفات»، حضره خبراء وباحثون ومسؤولون، عبَّرت الأوراق المقدمة والتعليقات والمداخلات عن الحالة الحيوية التي يعيشها الخليجيون والعرب، اليوم، بعد «عاصفة الحزم» والقمة العربية الاستثنائية، اللتين عززتا ثقة العرب بقدراتهم على استعادة التوازن الإقليمي، وعلى تجسيد مفهوم الأمن المشترك وتفعيل التعاون العربي لمواجهة التحديات، وأيضاً إرسال رسالة إلى إيران وحلفائها بأن العرب قد ضاقوا بالتدخلات المستمرة في شؤونهم. نعم، «عاصفة الحزم» رسالة بليغة موجهة إلى إيران التي تتباهى بسيطرته على 4 عواصم عربية وبتحكمها في طرق الملاحة العالمية، رسالة قوية توقظ إيران من أحلامها الإمبراطورية، وهي تعكس التحول العربي والخليجي من حالة الإحباط والعجز إلى حالة اليقظة والقدرة على مواجهة التحديات، ليقول الخليجيون والعرب كلمتهم، وليضعوا حداً للعربدة الإيرانية في ديارهم، وليوقفوا مسلسل خطف الشرعية على يد الميليشيات المدعومة خارجياً. لقد آن لدول الاعتدال العربي أن تبرز مخالبها، دفاعاً عن الشرعية وحماية لمصالحها وصوناً لأمنها، فلا يفل الحديد إلا الحديد، وسياسة «الأدب الجم» التي تميز بها الخليجيون في علاقتهم بإيران يجب أن تتوقف، خاصة بعد الاتفاق النووي الذي يطلق أيادي إيران ووكلائها في المنطقة. لقد كانت آمال الحاضرين وتطلعاتهم أن يستثمر الخليجيون، باعتبارهم مركز الثقل العربي، نجاح تحالف العرب في عملية «عاصفة الحزم» واتفاقهم خلال القمة، في معالجة باقي الملفات العالقة، وفي وضع حد للتدخلات الإيرانية. وجاء أوراق العمل لتناقش التحولات الجارية، وكيف يمكن استثمارها لمصلحة العرب في مواجهة: 1- المخاطر الداخلية، ممثلة في هذه الميليشيات الساعية لهدم الشرعية واغتصاب السلطة. 2- المخاطر الخارجية: ممثلة في أطماع دول إقليمية تسعى لتعظيم نفوذها على حساب العرب. إن التحول الأميركي للضفة الأخرى، سيغير تحالفات الخليج مع القوى الكبرى، وهذا يستوجب من الخليجيين إعادة النظر في مفهوم «الأمن الخليجي» المرتبط بالحماية الخارجية، كما يفرض بلورة مفهوم جديد للأمن الخليجي والعربي. كانت الكلمة الافتتاحية للدكتور جمال سند السويدي -مدير عام المركز- دقيقة في تشخيص التحولات التي تمر بها المنطقة والمخاطر التي تواجهها. وقد دعت الورقة إلى بلورة رؤية استراتيجية ووضع توصيف دقيق لطبيعة التحولات الجارية، والموقف المطلوب في مواجهتها، مشيداً بقانون «مكافحة الإرهاب» الإماراتي، كونه قانوناً متكاملاً لمكافحة التطرف. كما كان لكلمة «فؤاد السنيورة»، رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق، وقعها على الحضور، إذ عبّر عمّا يجيش في الصدور من أماني وتطلعات، ومن مخاوف ومحاذير. وإذ أشاد المحاضر البليغ، بالنموذج الاتحادي الإماراتي وترحم على روح المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آن رحمه الله، والذي أقام الاتحاد على مبدأ «أن العود الواحد ضعيف وقابل للانكسار، وأن العيدان مجتمعة تقوي الوطن والأمة وتحميهما)، فقد دعا العرب للإفادة من دروس النموذج الإماراتي، لتأسيس كيان وحدوي يستطيع مواجهة التحديات. وكانت ملاحظة دقيقة من محاضرنا حين أشار إلى تراجع دور اللاعبين الدوليين لمصلحة الفاعلين الإقليميين في المنطقة، مما أوجد حالة من اللا استقرار تغذيها الصراعات والنزاعات التي لم تعد جيوسياسية أو قومية أو اقتصادية فحسب، بل وأيضاً دينية وطائفية. كما أشار إلى تداعيات السطوة الإيرانية في العراق وسوريا ولبنان واليمن، لدرجة اختطاف القضية الفلسطينية، وادعاء الدفاع عن الإسلام، ومحاولة فرض الغلبة، واعتماد تصدير الثورة، وابتداع مفهوم «ولاية الفقيه» كمفهوم طائفي عابر لحدود، وتحدث عن ارتباك السياسة الأميركية، مما زاد حدة التوترات وقوّى الحلف الإيراني. وهنا دعا المحاضر إلى مواجهة هذا الحلف بتشكيل تحالف من قوى الاعتدال العربي (دول مجلس التعاون ومصر والأردن والمغرب.. إلخ) لتفعيل العمل المشترك، السياسي والأمني والاقتصادي، لاستعادة التوازن الاستراتيجي.