أيها الانكسار الأعظم! لقد لطختنا بعار رجالك القادمين من خرائب التاريخ. وأنتِ يا نجمة الصبح البهية، لك العلم بأننا كالطود، نفذُّ السير إليك، بشوق وحكمة واقتدار! عنوان المقالة ونداء الانكسار مأخوذان من غلاف الكتاب الذي صدر لي في عام 2005 بالعنوان نفسه عن «دار الفارابي في بيروت. لم يظهر الفكر الإيراني استفزازياً ومشبعاً بالروح الثأرية كما ظهر، حيناً بوضوح ودون لبس في مقولة تنص على «أن بغداد ستكون عاصمة الإمبراطورية الفارسية». وهذا ما دعانا إلى تبين علاقة وثيقة بينه وبين السيد حسن نصر الله، حين وقف على التلفاز العربي وأعلن بشيء من التأسف أنه «تأخر في الدخول العسكري إلى سوريا لحماية المقدسات»؛ متغافلاً أن هذه الأخيرة حميت من قبل الشعب السوري طوال القرون الأربعة عشرة المنصرمة، وأن هذا الشعب لم ينتظر ظهور السيد المذكور، كي يقوم بهذا الواجب. وجاءت أحداث العراق وتقاتل إيران معه أو تقاتله معها ثم تتالت الصراعات بين إيران وجيوب عربية هنا وهناك، إلى أن وقفنا وجهاً لوجه أمام اليمن ودعم إيران قوى ميليشياوية فيها، مثل "الحوثيين" وجماعة علي عبدالله صالح، وذلك بقصد إنهاء الحياة السياسية الشرعية فيها من قبل هؤلاء، وقد ذكرنا ذلك بتاريخ الانقلابات العسكرية في سوريا منذ مرحلة الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي، وإلى الآن: لقد أتت مرحلة الانقضاض على السياسة والمجتمع المدني في سوريا ومصر، ومرحلة الحروب الطائفية في لبنان، وهيمنة حكم القذافي، وما يحدث الآن من تعاظم الطائفية البغيضة والاستبداد القائم على الاستئثار بالسلطة والثروة والإعلام والمرجعية المجتمعية، وعلى سطوة الكبار مالياً وسياسياً وعسكرياً، دون رادع قانوني وسياسي وأخلاقي. إن العرب مثلوا، بذلك، نُظماً أمنية تنتج ما هم عليه وتعيد إنتاجه. لكن ذلك تعاظم خطراً ماحقاً إلى أن ظهرت «عاصفة الحزم»، وأعلنت أن الأمر لم يعد يحتمل صبراً، وفي هذا السياق، ظهرت الدعوة إلى «ضرورة إعادة هيكلة الجامعة العربية، يداً بيد، وإنْ بأصوات ليست كافية الشدة والوضوح، مع إعادة بناء تلك «النظم» عبر ضخ الحداثة والديموقراطية والدستورية ومبدأ التداول السلمي للسلطة. وهكذا، راح مصطلح هو في حالة الاهتراء يعلن عن نفسه ذلك هو «مشروع النهوض والتنوير العربي». فإذا كنا في مقالات سابقة قد أخذنا نضع يدنا على حالة عالمية جديدة تتمثل في ضرورة إعادة التأريخ لها باتجاه المستقبل القريب والبعيد وبضوء العمل على إعادة بناء العالم من موقع العدالة والتسامح والوسطية والديموقراطية السياسية وغيرها، إذا كنا قد فعلنا ذلك، فإننا نضع يدنا الآن على نتيجة حاسمة هي مقدمة معاً وتقوم على البدء. الآن وليس غداً، بامتشاق القلم (السحري)، الذي يتيح لنا أن نضع برنامج عمل لخمسين عاماً قادمة، وربما كان الخط الأول في هذا البرنامج متمثلاً بالتعليم والاقتصاد والعمل، منسحباً باتجاه الخط الثاني والمتشابك معه والقائم على حقوق الإنسان العربي السياسية والاقتصادية والثقافية، وعلى مجالس حكم تحتكم لقواعد الفعل الديموقراطي، والدفاع المصيري المشترك. إن انتصار «عاصفة الحزم» قد يلخص - في آفاقه الاستراتيجية - مشروع النهوض - أو الكرامة العربي، الذي يجد نفسه أمام الخيار التاريخي الاستراتيجي.