عندما كتبت مقالة الأسبوع الماضي لم تكن قمة شرم الشيخ قد أصدرت بيانها وقراراتها بعد، وفي الأسبوع المنصرم كتب الكثير عن القمة ولذلك لم يعد مفيداً تكرار الحديث عن هذه القرارات وإنما إبداء بعض الملاحظات عليها، ولعل الملاحظة الأهم تتعلق بما أكدته القمة من استقلال القرار العربي، فمنذ حرب أكتوبر 1973 لم يتخذ قرار عربي مستقل تماماً بشأن تحدٍّ خطير يواجه الأمن العربي. والمقصود باستقلال القرار استقلال عمليتي اتخاذه وتنفيذه معاً وهو ما يمثل استجابة عربية جديدة طال انتظارها للتحديات الخطيرة التي تواجه الأمن القومي العربي. ومن المأمول أن تكون هذه الاستقلالية بداية صحوة عربية وإن كانت ثمرتها ستتوقف على عوامل عديدة، منها مدى نجاح عاصفة الحزم في تحقيق أهدافها، ومدى جدية تنفيذ القرار الخاص بإنشاء قوة عربية مشتركة، والتوفيق في إيجاد حلول للأزمات العربية المعقدة في العراق وسوريا وليبيا، وإجراء الإصلاحات الداخلية الضرورية في البلدان العربية ودفع جهود التكامل الاقتصادي العربي والمثابرة على استقلال القرار العربي. ويلاحظ أن البعض قد اعتبر أن صياغة بيان القمة بخصوص القوة العربية المشتركة تفتح الباب للتراخي في التنفيذ على أساس أن البيان قد تحدث عن اتخاذ اللازم نحو تنسيق الجهود والخطط لإنشاء قوة عربية مشتركة وهو «ما يتطلب التشاور بيننا» بما يعني من وجهة نظر هذا البعض أن الموضوع ما زال غير محسوم، ومن المؤكد أن ثمة مشكلات ستثور عند بحث التفاصيل، غير أنه من المتفق عليه أن المشاركة في هذه القوة ستكون طوعية. كما أن نطاق عملها سيحترم السيادة الوطنية للدول الأعضاء في الجامعة، وبالتالي لا يتصور أن الصياغة الواردة في بيان القمة ستفضي إلى إجهاض الفكرة أو المماطلة في تنفيذها وخاصة أن مصر صاحبة الفكرة هي الرئيس الحالي للقمة حتى مارس 2016 كما أن قرار إنشاء القوة قد حظي بما يشبه الموافقة الإجماعية. وكان التحفظ الوحيد القاطع هو تحفظ الحكومة العراقية على إنشاء القوة وعلى عاصفة الحزم معاً، وبرر العراق تحفظه بأنه «يرفض التدخل العسكري من أي دولة في شؤون أي دولة أخرى» داعياً إلى «اعتماد سبل الحوار والتفاهم لغرض الحل». والطريف أن الأرض العراقية تزخر بالتدخل العسكري بطلب من الحكومة العراقية أو موافقتها. كما أن القرار الخاص بليبيا قد انحاز إلى حكومتها الشرعية وطالب بتقديم الدعم السياسي والمادي الكامل لها ودعم الجيش الوطني وهو ما تحفظت عليه قطر بالكامل لتأييدها حكومة طرابلس بينما نظرت الجزائر إلى القرار على أنه «يندرج ضمن السياق السياسي وهو جزء من الحل التوافقي المنشود من قبل المجتمع الدولي باعتباره السبيل الوحيد لحل الأزمة الليبية»، وهو تحفظ لبق يفرغ القرار من مضمونه. أما القرار الخاص بسوريا فقد ثابر على تقليد تحميل مجلس الأمن كامل مسؤولياته. والملاحظة الأخيرة ترد على موقف بيان القمة من القضية الفلسطينية، وقد كان لافتاً تراجع أولويتها بين غيرها من القضايا على نحو يذكّر بما جرى في قمة عمان 1987 التي حدث فيها الشيء نفسه بسبب التركيز الشديد على الحرب العراقية- الإيرانية آنذاك، غير أن الأهم قد يكون روتينية الفقرة الخاصة بها وهدوئها، إذ أعلن البيان أن التأييد العربي التاريخي سيظل قائماً حتى يحصل الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه المشروعة والثابتة دون أدنى إشارة إلى الممارسات الإسرائيلية الخطيرة وبالذات في مجال الاستيطان أو إلى أن مبادرة السلام العربية مطروحة منذ أربعة عشر عاماً دون أن تفضي إلى أي نتيجة تماماً كسابقتها مبادرة فاس 1982 على رغم ما انطوت عليه المبادرتان من مرونة فائقة وتنازلات واضحة. كما لم يتضمن البيان أي حديث عن مصالحة فلسطينية حقيقية تفرضها الظروف الراهنة، أو ترحيب بأداء فلسطينيي 1948 في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية الأخيرة. والأهم من ذلك كله تجاهل البيان التصريحات الخطيرة لرئيس وزراء إسرائيل بعد فوزه في الانتخابات التشريعية التي تقوض حل الدولتين أصلاً.