فاز المعارض محمدو بخاري بالانتخابات الرئاسية في نيجيريا بنسبة 53,9% من الأصوات، ووفق النتائج الرسمية المعلنة الأربعاء الماضي، تقدم بخاري في 21 ولاية من أصل 36 في البلاد. وبخاري، الرئيس الجديد لنيجيريا، ضابط عسكري سابق ورجل دولة، شغل عدة مناصب وتبوأ قمة السلطة في بلاده مطلع الثمانينيات عبر انقلاب عسكري، وها هو يعود إليها الآن عبر انتخابات تعددية حرة. وقد ولد محمدو بخاري عام 1942 في مدينة كاتسينا بشمال نيجيريا، لأسرة تعود أصولها إلى مدينة «دورا»، المركز الثقافي والروحي لعرقية الهوسا المسلمة، وهي أكبر عرقية في نيجيريا (25? من مجموع السكان)، تأتي بعدها عرقيتا اليوروبا والإيبو. نشأ بخاري في عائلة من 23 طفلا، وتكفلت به والدته بعد أن توفي عنه والده وهو في سن الثالثة. وفي سن الـ 18 انضم للجيش النيجيري، وتلقى تكويناً في المدرسة العسكرية في «كادونا»، ثم في إنجلترا، ليصبح ملازماً في كتيبة المشاة الثانية في أبيوكوتا. وفي عام 1964 تلقى تدريباً عسكرياً آخر في إنجلترا، ليعمل بعدة مواقع عسكرية في بلاده، حيث قاد كتيبة المشاة الثانية، ثم عين آمر القطاع الثاني في فرقة المشاة الأولى، فقائداً للواء في فرقة المشاة الثالثة، ثم نائب قائد فرقة المشاة الأولى، فالقائم بأعمال مدير إدارة النقل والإمداد في الجيش، ثم عضو المجلس العسكري الأعلى الحاكم (1978 -1979)، فقائد فرقة المشاة الرابعة، ثم قائد الفرقة الثالثة (أكتوبر 1981 -ديسمبر 1983). وكان بخاري قد شارك في أول انقلاب عسكري عرفته نيجيريا بقيادة الكولونيل مورتالا محمد، عام 1966، الانقلاب الذي أنهى ست سنوات من الديمقراطية في البلاد عقب إعلان استقلالها عن بريطانيا. وقام مورتالا بتعيين بخاري محافظاً لولاية الشمال الشرقي، في أغسطس 1975، ليشرف على «التطوير الاجتماعي والاقتصادي للمنطقة». وبعد اغتيال مورتالا في العام التالي، حل محله نائبه الجنرال أولوسيغون أوباسانجو الذي عين بخاري وزيراً للبترول والموارد الطبيعية. وبعد عودة العسكريين إلى ثكناتهم وإعادة الحكم للمدنيين عبر الانتخابات عام 1979، أصبح بخاري آمراً للواء الدروع، فقام بإطاحة الرئيس المنتخب ديمقراطياً «شيهو شاجارى»، منهياً الجمهورية الثانية في نيجيريا وتجربتها القصيرة نسبياً، فحاول إصلاح الاقتصاد، وتشجيع التصنيع والزراعة، ودعم التنمية الوطنية، كما اهتم بضبط المالية العامة. لكن سياسته تسببت في خسارة الكثير من الوظائف وفي إغلاق الأعمال. ولمعالجة الأزمة الغذائية عام 1984 -1985 قام بطرد مليون مواطن من النيجر ألجأهم الجفاف الذي ضرب بلادهم إلى نيجيريا، مما أدى لمجاعة كبرى في النيجر، عرفت لاحقاً باسم «مجاعة بخاري». كما أثارت بعض ممارساته غضب المنظمات الحقوقية، إذ أجاز اعتقال أي شخص «يشكل خطراً على الأمن» دون محاكمة أو توجيه اتهام، وحظَر التظاهر والإضراب، وأعطى سلطة واسعة لأجهزة الأمن لقمع المعارضين وسِجن كل من يكسر الحظر على التظاهر والإضراب. لكن في أغسطس 1985، أطيح بخاري في انقلاب عسكري بقيادة وزير دفاعه الجنرال إبراهيم بابانجيدا، ووُضع في السجن حتى عام 1988. وبينما يقول أنصار بخاري إن بعض الفاسدين في المجلس العسكري بقيادته كانوا يخشون التعرض للمحاكمة، خاصة بعد أن بدأت سياسته تؤتي ثمارها، برّر بابانجيدا وفريقه الانقلابَ بالقول إن بخاري فشل في حل المشكلات وفي إنعاش الاقتصاد الذي دمرته عقود من الفساد وسوء الإدارة. وفي انعطافة أعادته إلى واجهة الحياة السياسية، بعد عودة الحكم المدني في نيجيريا عام 1999، تقدّم بخاري للانتخابات الرئاسية عام 2003 كمرشح عن «حزب كل الشعب النيجيري» (ANPP)، ضد رفيق سلاحه السابق أوباسانجو، مرشح «حزب الشعب الديمقراطي» (PDP)، لكن الأخير فاز عليه متقدماً بأكثر من 11 مليون صوت. ثم أعاد الكرّة في انتخابات 2006، مرشَّحاً مرة أخرى عن ANPP، ضد مرشح PDP، عمر يارادوا، المنحدر هو كذلك من كاتسينا، فكانت النتيجة 18? من الأصوات لبخاري مقابل 70? ليارادوا. لكن بخاري غادر حزب ANPP عام 2010، ليؤسس «حزب المؤتمر التقدمي» (APC)، بوصفه «حلا للصراعات الأخلاقية والأيديولوجية والعرقية» التي أنهكت حزبه السابق. وفي إبريل 2011، كان بخاري مرشحاً عن حزبه الجديد في مواجهة جودلاك جوناثان مرشح PDP، وإبراهيم شيكارو عن ANPP. وقد ركز في حملته على مكافحة الفساد، لكنه خسر الانتخابات هذه المرة أيضاً وقال إنها زُورت كسابقاتها. بيد أن شعبيته ازدادت بفضل معارضته القوية للفساد، إذ حصل في تلك الانتخابات على 12 مليون صوت، متبوئاً المركز الثاني بعد جوناثان الفائز بنحو 22 مليون صوت. وحين تقدم بخاري للانتخابات الرئاسية لعام 2015 حاول فريق حملة الرئيس المرشح جوناثان منعه من الترشح، «لأنه لم يقدم شهادة الدراسة الثانوية»، كما يشترط الدستور النيجيري، فدفع بالقول إنه فقد الوثيقة الأصلية لشهادته أثناء نهب منزله بعيد الانقلاب عليه عام 1985، وخاض الانتخابات مركِّزاً في حملته مرة أخرى على مكافحة الفساد، ليكرس نفسه في صورة الرجل الصادق والنزيه، فتم انتخابه رئيساً لنيجيريا في 28 مارس 2015. وبذلك أصبحت أمام بخاري الفرصة لإثبات قدرته على التغيير الذي كان شعاره الأساسي، لاسيما لجهة الحرب على الفساد الإداري المستشري، علاوة على معالجة الملف الأمني متمثلا في وجود حركات مسلحة مثل «بوكوحرام» و«حركة تحرير دلتا النيجر»، إلى جانب المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المزمنة لبلد نفطي كنيجيريا، شاسع المساحة وكثير السكان، لكنه يعاني من فقر وبطالة واسعين ومن صراعات عرقية ودينية تمثل فتيل انفجار لوحدته الوطنية. وكما كان وصول بخاري إلى مقعد السلطة عبر انقلاب عسكري في السابق، تكسيراً للتجربة الديمقراطية الثانية الوليدة في نيجيريا آنذاك، فإن عودته إلى ذات المقعد في الوقت الحالي عبر انتخابات تعددية، حظيت نتيجتها باعتراف مرشح السلطة بعد هزيمته، تُمثل تكريساً للنهج الديمقراطي الذي تحاول نيجيريا السير عليه منذ عام 1999، حين أقرّت صندوق الاقتراع وسيلةً للتناوب على السلطة وليس فوهات المدافع. محمد ولد المنى