المتتبع لأخبار التدريب وتطوير الإنسان يرى حرصاً وفهماً حكومياً كبيراً لأهمية التدريب ودوره الفاعل في تزويد الفرد بالمهارات الوظيفية التي يحتاجها. فالتدريب هو الآلية الفعلية للاستفادة من العلم الأكاديمي وتحويله إلى تجربة تصهر كل العلم وتحوله إلى حقيقة واحدة. العلم لا بد له من صقل، وهذا لا يتم إلا من خلال التدريب. ولأن التدريب سوق كغيره من الأسواق، والذي يخرج بموضة وبصرعات متعددة، فإن الضرورة هنا تحتم أن يكون ثمة اتساق مع التغيرات التي تطرأ على السوق والطريقة التقليدية التي تسير عليها الجهات المعنية بالتدريب. ولعل أكبر خلل يواجهه سوق التدريب هو عندما ترى الدورة التدريبية مختزلة في مبلغ مالي معين، ويتحول التدريب إلى مجرد ميزانية على إدارة التدريب، لا مناص من تنفيذها والالتزام بها، وإلا كان هناك مساءلة ومحاسبة لإدارة التدريب، وهو في الواقع ما يعيق الوصول إلى الهدف الحقيقي من العملية التدريبية، فلا يمكن أن يتم تحديد أسعار محددة في سبيل تنفيذ خطة تدريبية متغاضين عن نجاح الدورة وتحقيقها لهدفها، وهو تطوير المتدرب وتزويده بالجديد من الخبرات. هذا الإطار الذي تم تأطير التدريب فيه، أنبت معاهد ومراكز تدريب غير معنية بنتائج وجودة التدريب، بل صار الأمر كله عبارة عن سوق تعرض فيه بضاعة وتشترى بثمن بخس، ويعيد الجميع بعد فترة زاهدين في التدريب بتجرة سابقة بلا جدوى من هدر الوقت، لأن النتيجة لن ترضي أحداً. ولعل من الأهمية أن تكون كل مؤسسة على دراية باحتياجاتها، وأن تُنفذ خطة من دورة تدريبية واحده تضمن نتائجها وجودتها من خطة تحتوي على العشرات من الدورات التدريبية لكن نتائجها صفر. فالهدف من التدريب لا تأتي مع عقلية تنظر للمبلغ المرصود للدورة، ولا يمكن بأي حال أن تكون المؤسسة قادرة على تحديد مدى نجاح الدورة أو فشلها، وهي تحدد للدورات مبالغ محدده تلتزم المعاهد بأن تجني منها العرض والطلب بعيدا عن معنى التدريب ونتائجه المرجوه. فمثلما أن التعليم صار لدى البعض سوقاً، تحول التدريب أيضاً إلى ذات القيمة، لكن حتى السوق له شروط كي يتسنى للمرء أن يبيع بضاعته ويتمكن من الحفاظ على زبونه، لأنه استلم بضاعة جيدة الصنع، وتكاد تكون بلا عيوب. فالجهات الحكومية يتحمل بعضها جزءاً من المسؤولية عندما يبحث عن الأسعار الأقل، دون الالتفات للجودة التي ينبغي أن تتحلى بها الدورات التدريبية، وهو الأمر الذي ساعد على هبوط نوعية الماده التدريبية المقدمة. ولعل العديد من الجهات تسعى جاهدة لتجاوز هذه المعضلة والوصول إلى أسعار مناسبة، وتحقيق جوده تُرضي جميع الأطراف، إلا أنها جهود تحتاج إلى دفعات من الجميع، وإلى تقدير لهذا الجهد وإلى نماذج ناجحة في المعادلة التدريبية وحققت فعلاً انجازات عظيمة. فلا شيء أهم من الاستثمار في الإنسان وبناء معارفه وخبراته هذا هو المحك الحقيقي وجوهر الفكر التدريبي والتعليمي على حد سواء.