ثورات «الربيع العربي»، يقول د. فهد راشد المطيري، «أثبتت أننا ضائعون»! الدكتور فهد المطيري، أستاذ الفلسفة بكلية التربية، والكاتب بصحيفة الجريدة الكويتية، يحاول منذ فترة ليست بالقصيرة أن يغرس في الحياة الثقافية جوانب من التفكير العلمي والفلسفي، عبر مساهماته الصحفية ومشاركته في الندوات. ومنها الندوة الأخيرة عن "ربيع العرب"، هذا الحدث السياسي الكاسح، الذي احتفى به الكثيرون عندما انطلق قبل أربع سنوات.. ولا يزالون منشغلين به. في ندوة «أفكار التنوير في واقع مغاير»، التي أقيمت في مكتبة الكويت الوطنية، بالتعاون مع «ملتقى ضفاف» الثقافي، اتخذ د. المطيري موقفاً نقدياً لاذعاً من كل تجليات هذا الربيع، مبيناً أن تلك الثورات «جاءت كرد فعل، ولم تأت بجديد لأنها قامت على قوة حراك الشعب، لا قوة المحرك الفكري، بعكس الثورات الأوروبية التي جاءت لتجسد أفكاراً قائمة». كما أن هذه الثورات، أضاف، «لا تتواصل ثقافياً مع إثر التنوير العربي». بعض ما بذل د. المطيري من جهد للحديث خلال الندوة عن قضايا التنوير في ثقافتنا، والبيئة القاسية التي أحاطت بالتحديث ومسائل حقوق الإنسان واتهامات التغريب وإضاعة الهوية، بين جذور المخاوف والتشاؤم التي يشعر بها الكثير من مفكري العالم العربي، كما بين تحليل المحاضر العلل الأساسية في اختناق "الربيع العربي" وتخبط إنجازاته في العديد من الدول. كثيراً ما أُلصقت تهمة «التغريب» بدعاة التنوير في عالمنا العربي، ولهذا ظهرت منذ البداية فجوة نفسية وثقافية واسعة بين مجتمعاتنا والمعرفة العلمية وبخاصة العلوم الاجتماعية والإنسانية. إن التنوير، يؤكد د. المطيري، وإن كان أوروبي المنشأ، فإن أفكاره كانت تستهدف الإنسان من حيث هو إنسان لا الإنسان الأوروبي وحده. وكان موقفنا مضطرباً إزاء العلوم، «فإن الخصومة مع العقل تجلت في رفض الحقائق العلمية المتناقضة مع النص الديني تارة، ومحاولة التوفيق بينهما تارة أخرى». وفي مجال الديمقراطية وحقوق الأقليات، وهي الطبع من أبرز القضايا التي أثيرت خلال السنوات الأربع من «الربيع العربي»، ذكّر د. المطيري الحضور في ندوته بمبدأ مهم قائلاً: إن «الدستور لا يحترم رأي أغلبية لا تحترم حقوق فرد واحد، فضلاً عن حقوق الأقلية»، وربما احتجنا في توضيح هذا المبدأ إلى بعض أساتذة القانون الدستوري. لقد عانى التنوير والتجديد في العالم العربي والإسلامي الكثير من الخصومة والعداء، بعكس المجتمعات الآسيوية كاليابان وكوريا والصين، التي تحولت إلى مجتمعات حديثة، وفي بعض الأحيان بنجاح باهر. فيما لا تزال مجتمعاتنا، رغم ضخامة عدد المتعلمين وتطور الاقتصاد والانفتاح على ثقافة العالم، وتسهيلات العولمة، مضطربة الخطى أو متخلفة، ولم يعد متحمساً لجني ثمار هذا "الربيع" سوى القلة، بعد أهوال ليبيا وسوريا والعراق واليمن، ومصر التي كادت تلاقي حتفها. ويشتكي الكثير من المفكرين والأكاديميين العرب أن ثورات "الربيع العربي" «بلا فكر أو نظرية أو برامج»، وأنها تعكس الشارع العربي أكثر مما تلبي طموحات العقل العربي وأهدافه. غير أن د. سعد الدين إبراهيم، أستاذ علم الاجتماع بالجامعة الأميركية بالقاهرة يرى أن الشارع كان له دوره حتى في الثورة الفرنسية! ويقول: «إن دور الشارع في صناعة الثورات بدأ في أوروبا في القرن الثامن عشر. وربما يذكر مند رسوا وقائع الثورة الفرنسية أن البداية كانت في مظاهرة الجياع، الذين توجهوا إلى قصر لويس السادس عشر، يهتفون للخبز. وظل الشارع الباريسي يلعب دوراً محرضاً في تعقب، ومحاكمة، وإعدام رموز النظام الملكي، وفي مقدمتهم لويس السادس عشر، وزوجته الملكة ماري أنطوانيت». ولكن طبقات المجتمع الفرنسي كانت أقوى وقدر على فهم مرامي الثورة وحاولوا الاستفادة منها بما يخدم مصالحها. من المفكرين والكتاب العرب المستائين من «ضياع الربيع العربي»، د. رضوان زيادة، الكاتب السوري المعروف، الذي تساءل في صحيفة «الحياة» «لماذا فشل الربيع العربي؟»، 20 - 03 - 2015، وقال إنه «بانضمام اليمن إلى ليبيا وسوريا بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء، يكون الربيع العربي قد انقلب خريفاً كاملاً»! ولكن لم وقعت هذه المأساة السياسية في بلدان هذا «الربيع»؟ للعالم السياسي «ستيفن ليفتسكي «كتاب بعنوان «التسلطية التنافسية» يناقش فيه مختلف أنواع الدكتاتوريات، ويقول: «هناك أنظمة تسلطية تتيح حداً أدنى من الحريات والتعددية الحزبية رغم تزوير نتائج الانتخابات واعتقال المعارضين أحياناً، «لكن هناك درجة من الليبرالية في التعامل مع المعارضة». النوع الثاني من الأنظمة التسلطية في تصنيف «ليفتسكي»، يقول د. زيادة، هو الذي ساد في بلدان "الربيع العربي" قبل ثورات 2011، وبالتالي دمر مسار هذه التحولات. فهي «أنظمة تسلطية مهيمنة»، نتائج الانتخابات فيها معروفة مسبقاً، ولا وجود للتعددية الحزبية أو الإعلامية فيها. ويضيف: «في النموذج الأول من الأنظمة السلطية التنافسية، تكون احتمالية التحول باتجاه نظام ديمقراطي أعلى بكثير، في حين تكون احتمالية تحول النموذج الثاني ضعيفة للغاية، وحتى لو حدث التحول فإنه قد يقول إلى نموذج من اللا استقرار أو العودة باتجاه الحكم العسكري».