الشجار العلني الذي وقع مؤخراً بين المليارديرين الأوكرانيين الرئيس بيترو بوروشينكو وإيجور كولومويسكي حول شركتين للطاقة تابعتين للدولة قد يعطي الانطباع بأن الإصلاحات الاقتصادية في أوكرانيا قد علقت في اقتتال تقليدي بين الأوليغارشيين. غير أن هذا ليس صحيحاً تماماً، وذلك على اعتبار أن العمود الفقري الفكري لجهود الإصلاح في أوكرانيا لم يزدد إلا قوة وصلابة خلال الأشهر الأخيرة في الواقع مع انكباب فريق من المهنيين الذين درسوا في الغرب حالياً على معالجة جذور المشاكل المرتبطة بسوء إدارة اقتصاد البلاد وإيجاد حلول لها. وأحد هؤلاء هو أدوماس أوديكاس، وهو ليتواني في الثانية والثلاثين من عمره مكلف بتنظيم الشركات الأوكرانية المملوكة للدولة. وقد تخرج أوديكاس من مدرسة التجارة الفرنسية «إنسياد» العام الماضي فقط، ولكنه ليس مبتدئاً أو حديث عهد بالمسؤوليات الحكومية إذ كان يقوم بالعمل نفسه لحساب الحكومة الليتوانية كنائب لوزير الاقتصاد. واليوم، يشغل أوديكاس منصب مستشار وزير الاقتصاد الأوكراني آيفراس أبرومفيكيوس، وهو ليتواني أيضاً. وخلال شهريه الأولين في هذه الوظيفة، عمل أوديكاس من دون أجر. واليوم، يقوم مانحون دوليون بتمويل فريقه المؤلف من سبعة أفراد والذي يقوم بتشخيص أمراض اقتصاد القطاع العام الأوكراني. وبعد مرور ثلاثة أشهر على تعيينه، لا يبدو أوديكاس واثقاً بشأن عدد الشركات المملوكة للدولة التي لدى أوكرانيا إذ تتراوح التقديرات بين 3 آلاف و4 آلاف. أما الرقم الذي يعتمده فريق أوديكاس، فهو 3350 شركة -1833 منها جاهزة للعمل بينما توجد البقية في مراحل مختلفة من الإفلاس والتصفية. «إن الأمر أشبه بشركة أسهم خاصة مع هذه الـ3 آلاف شركة، ومعظمها غير ناجح»، هذا ما قاله لي أوديكاس، قبل أن يضيف «إن شركاءها المحدودين هم أفراد الشعب الأوكراني نفسه، ولكنهم لا يعرفون الكثير عن المحفظة الاستثمارية». أما نائب أبرومفيكيوس، ماكسيم نفيودوف، الذي يبلغ 30 عاماً وكان مديراً لمكتب شركة أسهم خاصة في كييف، فيقول إن إيجاد موظفين أكفاء للقطاع العام يمثل صداع رأس حقيقياً لأن الحكومة لا تستطيع دفع رواتب مغرية. وهذا ليس لأنها لا تملك المال فحسب ولكن أيضاً لأن القيام بذلك عمل لا يحظى بالشعبية لدى الناخبين. ونتيجة لذلك، فإن مجموعة المرشحين التي أمام نيفيودوف تقتصر على أشخاص أغنياء أو أشخاص وطنيين مستعدين للعيش على مدخراتهم أثناء أدائهم عملهم ومساهمتهم في تغيير البلاد. ونيفيودوف يقع ضمن هذه الفئة الأخيرة حيث يقول إن لديه من المال ما يكفيه لعامين، وعندما ينفد ذلك المال ستتعين عليه ربما المغادرة. ومن جانبه، يعتزم أوديكاس أيضاً المغادرة بعد انتهاء مهمته. وبصمة الفريق الشاب تبدو في الكثير من الدوائر الحكومية الأوكرانية التي يديرها الآن مهنيو القطاع الخاص، وتشدد على التعجيل بجعل التغييرات المؤسساتية مستدامة حتى يستطيع الموظفون المهنيون إدارة النظام الجديد بفعالية وسلاسة. وعندما أعلن نيفيودوف عن شواغر وظيفية على الفيسبوك، سخر بعض الأوكرانيين العاديين من هذه الخطوة واعتبروها دليلاً على اليأس. ولكن نائب الوزير يقول إنه تلقى 150 سيرة ذاتية رداً على الإعلان، بعضها من مهنيين محنكين من القطاع الخاص يرغبون في المساهمة في نهوض بلدهم ومساعدته على التخلص من إرث التخطيط المركزي. وعلى سبيل المثال، فإن نيفيودوف فخور بإنهاء مخطط جمعت في إطاره وكالة تابعة للدولة المال من منتجي المواد الغذائية لبناء منشآت لإعادة تدوير وسائل التعبئة والتغليف، ولكنها لم تقم ببناء أي شيء أبداً. ويطلب نيفيودوف، الذي أصبح مسؤولاً حكومياً قبل نحو شهر فقط، من الشركات أن تقدم شكاوى بشأن القوانين والتنظيمات التي تجدها قمعية ويقول إنه استطاع الاستجابة لـ90 في المئة من هذه الطلبات والشكاوى حتى الآن. ويقول نيفيودوف: «على مدى 23 عاماً، قمنا بأي شيء عدا بناء البلد». واليوم، يسعى هو وأوديكاس وشباب مثاليون آخرون كثيرون في الحكومة إلى تدارك ما ضاع من وقت. وقد كان عام 2005 هو آخر مرة كانت فيها لدى أوكرانيا فرصة لسلوك طريق أوروبا، ولكنها لم تستغل ذلك مثلما تفعل اليوم. ولعل التقنوقراطيين الشباب الراغبين في التشمير عن سواعدهم مقابل القليل من المال أو لا شيء هم أفضل ما لديها اليوم لتحقيق ذلك. ليونيد برشيدسكي ------------ كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفس»