احتدم الصراع في أروقة الحزب الجمهوري على تسمية المرشح الذي سيواجه خصمه الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأميركية لعام 2016. وفي الثالث والعشرين من شهر مارس الماضي، حزم السيناتور «تيد كروز» عن ولاية تكساس أمره وأعلن عن قراره النهائي بالترشح من خلال تصريح أدلى به في كلية «ليبيرتي كوليج» بولاية فرجينيا. ومن المرجح أن يعلن كل من السيناتور «مانو روبيو» عن ولاية فلوريدا، والسيناتور «راند بول» عن ولاية كنتاكي، عن قرارهما بخوض المعركة. وربما يتبعهما في اتخاذ قرار مماثل كل من «سكوت ووكر» حاكم ولاية وسكونسن، والحاكم السابق لولاية فلوريدا «جيب بوش»، وهو إبن الرئيس رقم 41 جورج بوش وشقيق الرئيس رقم 43 جورج بوش الابن. وتتضمن قائمة المرشحين، الذين قد يتم الإعلان عنهم قريباً كلاً من حاكم ولاية تكساس السابق «ريك بيري»، وحاكم ولاية أركنساس «مايك هوكابي»، وربما يلتحق بالركب حاكم ولاية نيوجرسي «كريس كريستي» والسيناتور السابق عن ولاية بنسلفانيا «ريك سانتوروم». وبالرغم من وجود تباينات أساسية بين هؤلاء المرشحين حول مواقفهم من القضايا المختلفة ذات الطابع الاجتماعي، كالموقف من ملفات الهجرة، وحقوق المرأة، والتعليم، والرعاية الصحية.. إلا أنهم يتقاسمون جميعاً الاعتقاد الراسخ ذاته بأن السياسات الخارجية والاجتماعية لإدارة أوباما قد أثبتت فشلها وجعلت أميركا أكثر ضعفاً على الساحة الدولية. وحتى وقت قريب، كانوا ينتقدون أوباما على الحالة المزرية التي آل إليها الاقتصاد الأميركي، إلا أن الانخفاض المحسوس في معدل البطالة، والقوّة التي يتمتع بها الدولار، والتحسن الكبير الذي شهدته البورصات، وانخفاض أسعار النفط.. كلها من العوامل التي ستخلق لهم صعوبات كبيرة لتحدي الحزب الديمقراطي في الانتخابات المقبلة. ولم يتأخر الديمقراطيون أبداً عن التذكير بأن إدارة أوباما ورثت أسوأ أزمة اقتصادية منذ «الركود الأعظم» في ثلاثينيات القرن الماضي بسبب الإدارة السيئة للرئيس السابق جورج بوش الابن لأسواق الإسكان والبنوك والنظام المالي برمته. وبالرغم من أن المرشحين الجمهوريين يتفقون على دعم مبدأ «الحق في الحياة»، فإن لكل منهم وجهة نظره المختلفة حول الطريقة التي سيديرون بها حملاتهم لتغيير القوانين السارية المفعول. وحتى لو كانوا يتفقون جميعاً على ضرورة اتخاذ تدابير أمنية أكثر صرامة لحماية الحدود والحدّ من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، إلا أنهم يختلفون حول أساليب معالجة ملفات الإقامة غير القانونية لنحو 10 ملايين مهاجر يعيشون على أرض الولايات المتحدة. ويبدو «جيب بوش» الأكثر انفتاحاً من بقية المرشحين الجمهوريين المحتملين حول هذه القضايا، مما سيضعه أمام صعوبات كبيرة لتجاوز المواقف المتشددة للناخبين المحافظين. وفي مجال السياسة الخارجية والدفاعية، هناك إجماع أكثر بين المرشحين الجمهوريين، يستثنى منه موقف «راند بول»، الذي اشتهر بانتقاداته العنيفة للتدخل العسكري الأميركي في الحروب الدائرة الآن في الشرق الأوسط. وحتى «بول» ذاته، فضّل أخيراً الانضمام إلى جوقة المؤيدين للوصايا المقدسة، التي نادي بها الجمهوريون في مجال السياسة الخارجية، خاصة منها الدعم الكامل لإسرائيل، والانتقاد اللاذع لمبدأ التفاوض مع إيران حول القضايا المتعلقة بملفها النووي، والحاجة لإنفاق المزيد من الأموال على الدفاع. وحتى عهد إدارة جورج بوش الابن، كان انتقاد الجمهوريين لسياسات إسرائيل في الكونجرس وخارجه أمراً شائعاً. وكان الديمقراطيون يظهرون وكأنهم يمثلون الحزب الأكثر تأييداً لها، إلا أن هذه المواقف شهدت تغيراً محسوساً بسبب النفوذ المتزايد للمبشرين المسيحيين داخل الحزب الجمهوري، والذين يطالبون بأن يمثل دعم إسرائيل مطلباً مقدساً. ومن المحتمل جداً ألا يكون للانتقادات الأميركية للحكومة الإسرائيلية الحالية لبنيامين نتنياهو تأثير كبير في أوساط الشباب من الأميركيين اليهود، والذين باتوا أكثر قدرة على التمييز بين الدعم لإسرائيل ومعارضة السياسات التي يتبناها الجناح اليميني في الحكومة الإسرائيلية. ويبدو أنه من المبكّر جداً التنبؤ باسم المرشح الذي سيبرز من بين قائمة الجمهوريين. وإذا تمكن «جيب بوش» من الصمود أمام الانتقادات المتعلقة ببعض ممارساته السابقة في الجولات الأولى للانتخاب، فسوف يحظى بالدعم المالي والسياسي للحزب الجمهوري لتأييد ترشيحه. وربما يتمكن عندئذ من كسب تأييد الأقليات لأنه متزوج من امرأة مكسيكية. إلا أن مواقفه المعروفة من ملف الهجرة قد لا تمثل عوناً له في الجولات الأولى من الانتخاب، كما أن الاسم الشهير لعائلته قد يمثل بالنسبة له لعنة حقيقية. ---------------------- *مدير برامج الأمن الإقليمي بمركز «ناشيونال إنتريست»