طيلة أشهر راجت تكهنات وشكوك حول مدى قدرة نيجيريا على اجتياز اختبارها الصعب المتمثل في الانتخابات الرئاسية، وما إذا كانت ستتخطاها بسلام، فقد ركزت عناوين الصحف على عنف «بوكو حرام» وإرهابها وما يصاحبها من مظاهر التوتر العرقي والديني التي تقسم البلاد بين الشمال والجنوب، واحتمال أن يثير ذلك عاصفة من الاضطرابات قد تهدد بتمزيق البلاد وشرذمتها. وكان التوقع بأن نيجيريا لن تقوى على الانتقال السلمي للسلطة وأنها ستنفجر عنفاً ليلتهمها لهيب الرصاص الذي سيكون بديلا لحسم النتيجة عن صناديق الاقتراع، لاسيما بالنظر إلى أعمال العنف الهائلة التي صاحبت الانتخابات الرئاسية قبل أربع سنوات.. لكن رغم كل هذه المخاوف والشكوك، استطاعت نيجيريا -بعدد سكانها البالغ 170 مليون نسمة- أن تقدم للعالم خلال نهاية الأسبوع الماضي صورة مشرقة عن انتخاباتها الرئاسية التي مرت بسلام وحافظت على قدر كبير من المصداقية لتكون الانتخابات الأكثر شفافية في تاريخ البلاد. وقد أسفرت الانتخابات عن فوز الجنرال المتقاعد محمدو بخاري، من «حزب المؤتمر التقدمي»، على الرئيس المنتهية ولايته، جودلاك جونثان، من «حزب الشعب الديمقراطي». ويحسب لهذا الأخير له أنه سارع للاتصال بمنافسه بخاري لتهنئته والاعتراف له بالنصر. وهذا أحد مظاهر النجاح الديمقراطي أن يبادر المنهزم بتهنئة المنتصر ويسلم له بالسلطة دون مشاكل، وهو ما جرى في نيجيريا التي أظهرت نتائج الانتخابات فيها تقدماً واضحاً للمرشح بخاري على منافسه بواقع 54? من الأصوات مقابل 45? لغريمه جونثان. ولم يتأخر النيجيريون أنفسهم في التعبير عن فرحتهم وتهنئتهم للمرشح الفائز في وسائل التواصل الاجتماعي، فيما ركز البعض على انتقاد الصحفيين الغربيين الذين كانوا يتوقعون الأسوأ ويتنبؤون بالعنف والاضطراب الذي سيعم البلاد ويفشل عرسها الديمقراطي. والحال أن هذه الانتخابات أعطت مثالا حياً لانتقال ديمقراطي سلس هو الأول من نوعه في نيجيريا منذ عام 1999 عندما عادت نيجيريا للحكم المدني، حيث انتصر حزب معارض على آخر في السلطة، وكان الرئيس المنتهية ولايته، جونثان، الذي لم يخسر حزبه في انتخابات، قد شهد تراجعاً كبيراً في شعبيته بسبب فشله في احتواء «بوكو حرام»، وإخفاقه في التصدي للفساد وإصلاح الاقتصاد. وقد راجت تكهنات مفادها أن حزب جونثان لن يتنازل عن السلطة ولن يقبل التخلي عنها بالنظر إلى الأموال الطائلة التي أنفقها على الحملة الانتخابية، لكن ذلك لم يحصل. وكانت هذه أيضاً المرة الأولى التي تستخدم فيها التكنولوجيا المتطورة في إجراء الانتخابات، مثل البطاقات الانتخابية الإلكترونية التي تحد من احتمالات الغش والتزوير. ورغم وجود بعض الأعطاب والفوضى، فإنها -وبشهادة اللجنة المستقلة للانتخابات، والتي لجأت هي الأخرى لبرامج كمبيوتر متقدمة لفرز الأصوات- لم تؤثر على النتيجة النهائية. ومما تظهره الانتخابات الرئاسية الأخيرة أن الانقسامات التي سعى البعض للتهويل من حدتها بين الشمال والجنوب وبين المسلمين والمسيحيين ليست على نفس الدرجة من الحدة. والدليل أن المرشح محمدو بخاري المسلم المنحدر من الشمال حقق اختراقاً مهماً في الولايات الجنوبية. هذا التراجع للأجندة الدينية والعرقية في تحديد نتيجة الانتخابات يوضحه المحلل السياسي «تولو أوجنليسي» بقوله إنه في عموم نيجيريا صعد القضايا والمواضيع المرتبطة بانقطاع الكهرباء والجريمة إلى صدارة الاهتمامات بصرف النظر عن الاختلاف الديني، فليس غريباً على سبيل المثال أن نسمع توجه مسيحيين في الشمال إلى المحاكم الإسلامية لمقاضاة مسلمين لأنهم يعرفون أن بت تلك المحاكم في قضاياهم سيكون أسرع بكثير من المحاكم الأخرى التقليدية. لكن بالطبع لا يعني ذلك أن الهويات الدينية والإثنية لم تكن حاضرة في الانتخابات، لكن في هذه المرة تغلبت عليها القضايا المعيشية للمواطن النيجيري التي لا تفرق بين مسلم ومسيحي، مثل ضرورة التصدي لإرهاب «بوكو حرام»، والتعامل مع الأزمة الاقتصادية ومعدلات البطالة المرتفعة. وفي الكثير من الأحيان ترتبط الانتخابات الأفريقية في أذهان المحللين الغربيين بالفوضى والتزوير، وبالفعل لم تكن الانتخابات النيجيرية الأخيرة من دون مشاكل، لكن القصة الأهم اليوم أن نيجيريا قدّمت نموذجاً رائداً في الديمقراطية الأفريقية الناجحة يمكن الاحتذاء به في عموم القارة السمراء. كارين آتيا -نيجيريا ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»