التمدّد الإيراني في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وبشكل أقل في غيرها، ما كان ليحدث- مع عوامل أخرى- لولا شعبيةٌ ما للنظام الإيراني اكتسبها عبر الدعاية. وحظيت الثورة الخمينية بشعبية كبيرة في البداية ثم أخذت تنحسر تدريجياً مع الوقت، حتى توقفت قبل «الربيع العربي» عند مستوى معين، ولم تنزف إيران من شعبيتها كما حدث مع الجرح السوري، أعني أن الظروف والأحداث هي التي أعاقت انتشار الفكرة الخمينية أكثر، وليس الإعلام العربي الذي لم يعرف كيف يواجه الدعاية الإيرانية. وكان النظام الإيراني خلال عقود يخصص جزءاً من إعلامه للجمهور العربي، فضلا عن بعض الإعلام العربي الموالي له، وكان ماكراً بما فيه الكفاية ليصنع حلويات تناسب مختلف الأذواق، فهنا حديث عن الوحدة الإسلامية، وهناك صراخ في وجه أميركا، ثم تهديد بمحو إسرائيل، وبعد قليل بكائيات على المستضعفين، ثم كلام عن رفض مشاريع الهيمنة الأجنبية، ثم عن القرار المستقل والاكتفاء الذاتي، ثم عن دور الشعوب في مقارعة الإمبريالية.. إلخ. وعلى الطرف المقابل، كان الإعلام العربي في أغلب الوقت لا يعرف كيف يدافع ولا كيف يهاجم، إذ حاول بعض الإعلام مواجهة مشاريع إيران الطائفية بلغة مضادة ضررها أكبر من نفعها، فهذه اللغة، وإن وجدت قبولا لدى بعض السُنة، فلم تكن تعني في شيء بعضهم الآخر، ولا المسيحيين أو الدروز أو الأباظية أو الزيدية أو الإسماعيلية وغيرهم، بل كانت هذه اللغة تثير القلق بينهم، كما أنها خلقت حالة من الاستقطاب بين الشيعة العرب، بل إن إيران جيّرت هذه اللغة لصالحها وأبرزت نفسها كحامية لهم. وجانب آخر من الإعلام العربي حاول أن يفعل شيئاً باعتماد لغة قومية، لكنه كان يلعب في الوقت الضائع، فالثورة الخمينية جاءت في وقت كانت فيه القومية العربية تعاني سكرات الموت، وكانت تيارات الإسلام السياسي هي التي تلعب في الساحة، وفي عقيدة هذه التيارات يعد الإيراني المسلم أقرب من العربي المسيحي، بل أحياناً من العربي المسلم الرافض للدولة الدينية. كما تعامل هذا الإعلام مع أطماع إيران القومية بلغة قومية غير مقنعة في عالم قائم على المصالح والتحالف مع دول من الشرق والغرب، وكان الصوت العالي لإيران ضد أميركا وإسرائيل، يغطي باستمرار على الصوت القومي المناوئ لها، ناهيكم عن أن النبرة القومية لم تجد صدى لدى الأكراد والتركمان والأرمن والآشوريين والأمازيغ والأفارقة وذوي الأصول غير العربية، وهؤلاء يمثلون نسبة لا يستهان بها من مواطني الدول العربية. وأعتقد أنه كان يمكن مواجهة الدعاية الإيرانية بفلسفة إعلامية قائمة على التعايش الديني والتسامح المذهبي وبلغة العقل والسياسة والمصالح. كما أعتقد أن الإعلام العربي لم يلتفت إلى سلاح مهم لضرب الدعاية الإيرانية، وهو قضية «إيران من الداخل»، فكان من شأن تسليط الضوء على الوضع الداخلي لإيران، بلغة الأرقام والتقارير والخبراء، تحطيم الصورة الجميلة التي تروجها إيران عن نفسها، وتكسب الشعبية من خلالها. ولو كان الإعلام العربي قد نجح في ذلك، لانفض الجميع من حول إيران.