يتغير العالم اليوم بسرعة لا ندركه فيها إلا وقد تغير، وفي رمشة عين من التاريخ بلغ عدد خريجي التعليم العالي نحو 200 مليون، وسيصبحون خلال السنوات العشر القادمة 262 مليوناً، أي ما يضاهي عشرات أضعاف عدد العسكريين المجندين في العالم. والمدهش حجم الإنفاق على أنظمة التعليم، والذي يبلغ حالياً خمسة تريليونات دولار، ما يجعله ثاني أكبر سوق عالمية بعد الصحة، فيما تستمر معدلات الزيادة السنوية بنسبة 7%. ذكر ذلك تقرير «التعليم العالي.. النمو العالمي»، الصادر عن «المجلس البريطاني». وهنا، كما يقول فيلسوف العلوم كارل بوبر، «لا نعرف أين وكيف نبدأ تحليلنا للعالم. فلا وجود لحكمة تخبرنا، وحتى التقليد العلمي لا يخبرنا، فهو يخبرنا فحسب أين وكيف بدأ أناس آخرون وإلى أين ذهبوا». فكيف نحلل نسبة زيادات كبيرة في معدلات الالتحاق بالجامعات تحققها أقدم الأمم. في الصين بلغت الزيادة 26% وفي الهند 18%، وكلا البلدان يهدفان إلى معدل «دول منظمة التعاون والتنمية» البالغ 30%. وتسير في الاتجاه نفسه معظم البلدان النامية، والتي يتوقع أن تحقق معدلات تتراوح بين 20 و25%. و«العالمية» أصبحت اللقب الذي يطلق ليس على جامعات تستقطب الدارسين الأجانب فحسب، بل أيضاً على الطلبة الذين يدرسون خارج بلدانهم. «عدد الطلاب الذين يدرسون في الخارج، وأين يذهبون؟» عنوان تقرير «منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية»، وفيه أن عدد «الطلاب العالميين» تجاوز الأربعة ملايين، أكثر من نصفهم آسيويون، وفي مقدمتهم الصينيون والهنود والكوريون، ويدرس أكثر من ثلاثة أرباعهم في دول «المنظمة». وذكرت «نيويورك تايمز» أن «الولايات المتحدة سجلت العام الدراسي الماضي رقماً قياسياً في عدد الأجانب الملتحقين للدراسة في جامعاتها، وبلغ نحو 900 ألف طالب، وواحد من كل ثلاثة منهم يحمل الجواز الصيني، وهذه ظاهرة لا مثيل لها من قبل». و«التغيرات الجارية في التعليم العالي لا مثيل لها بالحجم والتنوع، وتجعل من الصعب استيعاب العملية الدينامكية ونحن في غمارها، بسبب طبيعتها العالمية وعدد المؤسسات والأشخاص الذين تؤثر فيهم». يذكر ذلك تقرير «اليونسكو»، وعنوانه «متابعة الثورة الأكاديمية»، والذي يتحدث عن «تعاظم» التعليم العالي الذي يشمل قطاعات متنامية من السكان، وينشئ أنماطاً جديدة في تمويله، يزداد تنوعها، وتحالفات أكاديمية عابرة للاختصاصات والبلدان؛ بينها جامعات للعلوم الإِنسانية والتكنولوجيا الرقمية، هدفها زيادة تضمين الموارد الرقمية في المناهج الدراسية، وتحسين المهارات الرقمية لأساتذتها، وتطوير فروع أكاديمية مختلطة من مختلف الاختصاصات الطبية والهندسية والفنية. وتوفر 24 جامعة أميركية عملاقة، بينها «هارفرد»، و«معهد مساتشوستس للتكنولوجيا»، فرص التعليم عبر الأونلاين لملايين الطلاب حول العالم، ويقيم بعضها دورات «هجينة» تجمع بين «الأونلاين» والتدريس وجهاً لوجه. وحجبت مأساة «الربيع العربي» ربيع الجامعات العربية التي اخترق عددها حاجز الألف، وكانت حتى أواخر القرن الماضي تُعدُّ بالعشرات فحسب. وسجلت السعودية الرقم القياسي في النمو حين قفز عدد جامعاتها من واحدة قبل نصف قرن، إلى 39 جامعة، وعدد طلابها نحو مليون وربع المليون، أكثر من نصفهم بنات. وقفزت موازنة التعليم العالي السعودية ثلاثة أضعاف خلال السنوات الخمس الماضية، وتبلغ حالياً 160 مليار دولار. وذكرت «اليونسكو» أن دولة الإمارات العربية المتحدة وقطر قدّمتا «نماذج باسلة في اعتماد العالمية كسياسات وطنية؛ وجنّدتا جامعات أجنبية مرموقة لتأسيس كليات محلية هدفها توسيع الفرص للطلبة المواطنين، والعمل كمحاور للتعليم العالي في المنطقة». ويبلغ نصيب مصر والسعودية والإمارات من «الطلاب العالميين» 4% من المجموع العالمي، حسب تقرير «اليونسكو» عن التدفق العالمي لطلاب التعليم العالي، وجاء فيه أن مراكز التعليم العالي العربية، لا تجتذب طلاباً أجانب فحسب، بل طلاب المنطقة نفسها، والذين زاد عددهم من 12% إلى 26% بين عامي 1999 و2012، وتخطّت الإماراتُ بذلك بريطانيا في اجتذاب طلاب البلدان العربية، وأصبحت ثالث أكبر وجهة لهم بعد الولايات المتحدة وفرنسا.