كتبت هذه السطور قبل صدور قرارات قمة شرم الشيخ وسيقرؤها القارئ الكريم بعد يومين من صدورها، ولذلك كنت أنوي من البداية أن أركز على الظروف الصعبة بالغة التعقيد التي انعقدت فيها القمة تمهيداً لتحليلٍ متأنٍ لنتائجها في المقال القادم. والواقع أنه يمكن القول دون مبالغة إن هذه القمة قد انعقدت في ظروف غير مسبوقة من حيث خطورتها وتعقيدها، ولنتذكر على سبيل المثال قمة الخرطوم الصعبة التي انعقدت في أعقاب هزيمة 1967 والتي واجهت تداعيات الهزيمة ولم يكن هذا بالأمر السهل. لكن القمة نجحت بامتياز في توفير غطاء سياسي ومالي لجهود دول المواجهة من أجل إزالة آثار العدوان، وذلك لأن الدول العربية كانت على قلب رجل واحد. وواجهت قمة 1970 الموقف الخطير الناجم عن الصدام بين الأردن والمقاومة الفلسطينية ونجحت في أن تحافظ على المقاومة والدولة الأردنية معاً، لأن التضحية بالمقاومة لم تكن واردة عند أحد مهما كانت أخطاؤها. ولعل أقرب القمم إلى ظروف قمة شرم الشيخ الأخيرة قمة القاهرة 1990 التي انقسمت الدول العربية فيها حول الغزو العراقي للكويت كما لم تنقسم من قبل، لكن في كل القمم الثلاث السابقة كانت الدول العربية فيها غير مههدة كدول، وإنما كان التهديد للأمن القومي العربي بينما انعقدت قمة شرم الشيخ في ظروف تهديد خطير للسلامة الإقليمية لعديد من الدول وانقسامات خطيرة داخلها وتفاقم خطر الإرهاب وتحقيقه اختراقات من نوع جديد تتمثل أساساً في إقامة «دول» وولايات للإرهاب، ولم يكن أكيداً حتى قبيل القمة بوقت قصير أن كافة الدول العربية تدرك الخطر على نحو مشترك ومن ثم تستطيع أن تتخذ القرارات اللازمة لمواجهة الإرهاب. لكن الله سبحانه وتعالى قيض للقمة الحوثيين الذين ألقوا لها بطوق النجاة، فقد أسفرت حساباتهم الخاطئة عن التهديد بسقوط اليمن في قبضتهم، وبالتالي في القبضة الإيرانية. وكان واضحاً أنهم يفعلون المستحيل من أجل أن يسقط الرئيس اليمني في أيديهم قبل انعقاد القمة كي يحرموه من فرصة تعزيز شرعيته بحضورها، وبذلك لا تصبح هناك شرعية إلا شرعيتهم التي يدعون أنها شرعية الثورة الشعبية وهي لا تعدو أن تكون شرعية القوة الغاشمة والتواطؤ مع الرئيس السابق والدعم الإيراني النابع من مخطط الهيمنة على الوطن العربي. ولكن القرار السعودي المستند إلى طلب الرئيس اليمني من مجلس التعاون الخليجي دعمه عسكرياً على نحو فوري قلب الطاولة على الحوثيين الذين من المؤكد أنهم ما كانوا يتوقعونه وخاصة أن هذا القرار غير مسبوق في السياسة السعودية، وهو لا يقارن بقرار مجلس التعاون دعم استقرار البحرين الذي كان بمثابة عملية أمنية داخلية محدودة، ومن المهم أن القرار استند إلى تحالف عربي واسع شارك في العمليات، كما أنه حظي بغطاء عربي عام لم يشذ عنه سوى أصدقاء إيران وعددهم لا يقترب من عدد أصابع اليد الواحدة. وأغلب الظن أن قمة شرم الشيخ ستترجم هذا الغطاء في قراراتها، ويمثل هذا كله بداية لاستجابات جديدة من قبل النظام العربي للتحديات الخطيرة التي تواجهه وتهدد بقاءه بسبب تفاقم الإرهاب والاختراق الخارجي معاً. وتستحق الأبعاد الدولية لهذا القرار وقفة تأمل، والملاحظة الأهم في هذا الصدد أنه لا تشوبه شائبة تدخل دولي عانت المنطقة العربية من ويلاته غير مرة، بل إن المنطق يفضي إلى أن تكون الولايات المتحدة غير مستريحة للقرار لأنه قد يعكر صفو مفاوضاتها النووية مع إيران، والتي دفعتها في الغالب إلى التهاون مع انتهاك الحوثيين كل مقومات الشرعية في اليمن بما في ذلك الاتفاق الذي وقعوه مع كافة الفصائل اليمنية بعد استيلائهم على صنعاء. بل إن الإدارة الأميركية اضطرت إلى إعلان موافقتها على العملية ودعمها لوجستياً. والواقع أن السياسة الخارجية الأميركية تمر في الوقت الحاضر بمرحلة ارتباك لا تحسد عليه، وقد بدا هذا الارتباك واضحاً في أكثر من قضية منها الملف السوري الذي صرح وزير الخارجية الأميركي بشأنه أن الأسد سيكون جزءاً من الحل ثم تراجع عن تصريحه، وتحتاج هذه المسألة نقاشاً معمقاً قد أعود إليه لاحقاً ولكن الدرس أن التصرفات العربية من الآن فصاعداً يجب أن تنطلق من المصلحة العربية وليس من أي حسن ظن بحسابات السياسة الأميركية.