عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية التي يفترض أن تنتهي بحل الدولتين موصولة حالياً بأجهزة التنفس الصناعي. وإذا كان كل واحد من طرفي النزاع قد ارتكب نصيبه من الأخطاء، فإن نتنياهو كاد يسحب القابس ويجهز على العملية في وقت سابق من هذا الشهر عندما تعهد خلال حملته الانتخابية بأن فلسطين لن تصبح دولة في عهده. وأعاد التأكيد على ذلك بعد الانتخابات، وهو موقف يتعارض مع أهداف الأمن القومي الأميركي. ذلك أن حل الدولتين كان ولا يزال هدفاً أميركياً منذ عقدين من الزمن. ففي 2002، كان بوش الابن أول رئيس أميركي يدعو صراحة إلى قيام دولة فلسطينية قادرة على النمو والاستمرار، ومنزوعة السلاح، حيث قال: «إن تأسيس دولة فلسطين تأخر كثيراً»، مضيفاً: «إن الشعب الفلسطيني يستحق ذلك. كما أنه أمر سيزيد من استقرار المنطقة وسيساهم في أمن إسرائيل». واليوم، يدعم جل الساسة الأميركيين، من كلا الحزبين، هذه النتيجة علانية. لكن كيف يمكن للولايات المتحدة الدفع باتجاه تحقيق هذا الهدف بينما يقف نتنياهو في طريقها؟ والواقع أن الأمر لا يتعلق بمعاقبة إسرائيل، وإنما بخدمة مصالح الأمن القومي الأميركي. ذلك أن الاعتراف بفلسطين من شأنه أن يعالج مصدراً رئيسياً من مصادر الاستياء من الولايات المتحدة في المنطقة، وهو ما سيجعل من السهل على صناع السياسات الأميركيين الانكباب على أولويات أخرى في الشرق الأوسط، مثل منع تطوير سلاح نووي إيراني، والقضاء على تنظيم «داعش»، وتعزيز شراكات أمنية إقليمية. كما أن من شأن ذلك أن ييسر التعامل مع حكومات الدول العربية، والتي كثيراً ما تتفق مع سياسة إسرائيل الإقليمية، لكنها تنتقد بشدة معاملتها للفلسطينيين. كما من شأن ذلك أن يؤشر للإسرائيليين- وجيرانهم - على أن الولايات المتحدة ستتصرف على النحو الذي يخدم أهدافها، حتى عندما تتعارض تلك الأهداف مع آراء حليف قريب. هذا فضلا عن أنه سيعزز أمن إسرائيل، مثلما يعلم الكثيرون في المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. ثم إن الاعتراف بفلسطين من شأنه أيضاً أن يعالج مشكلة ثابتة في السياسة الخارجية الأميركية: إنها تلك المتعلقة بالانقسام بين سياسة أميركا الرسمية الداعمة لدولة فلسطينية ودعمها المستمر لحكومة إسرائيلية تتعمد عرقلة ذلك الهدف. وبينما كان نتنياهو يعلن شفهياً دعمه لحل الدولتين، لم يدخر جهداً لإضعاف هذا الحل، من خلال توسيع المستوطنات، وقمع الاحتجاجات السلمية، وتكريس الانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة. كما أنه لم يمنح الفلسطينيين أي أمل. والآن، وقد اعترف نتنياهو علانية بما يعتقده الكثيرون منذ بعض الوقت، من أنه لن يلعب دور القابلة أبداً مع فلسطين، فمن الواضح أنه إذا كانت واشنطن تريد تحقيق هذا الهدف، فعليها أن تسلك طريقاً آخر. إن الطريق الوحيد لإنهاء هذا النزاع، مثلما حاجج بذلك رؤساء أميركيون من كلا الحزبين على مدى عقود، يمر عبر مفاوضات مباشرة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولهذا، يعارض المسؤولون الأميركيون الإجراءات أحادية الجانب، مثل قرارات مجلس الأمن الدولي المدعومة من الفلسطينيين التي تندد بالمستوطنات الإسرائيلية أو الجهود الرامية إلى الانضمام إلى المنظمات الدولية. لكن طريق المفاوضات المباشرة مسدود حالياً، على الأقل طالما بقي نتنياهو في السلطة، لأن الفلسطينيين لن يجلسوا مع رئيس وزراء إسرائيلي يتعهد برفض مطلبهم الأساسي. وخلاصة القول هي أن الاعتراف بفلسطين سيصب في مصلحة الأمن القومي الأميركي وسيكون متناغماً مع قيم السياسة الخارجية الأميركية التي تشمل دعم تقرير المصير والاستقلال. فهذه بالضبط هي القيم التي حكمت قرار الولايات المتحدة حول الاعتراف بإسرائيل كدولة مستقلة في عام 1948. وإذا كانت السنوات القليلة الماضية قد شهدت خروج ملايين المواطنين العرب للتظاهر، والتضحية بالنفس أحياناً، دفاعاً عن حقوقهم وحرياتهم، فينبغي على الولايات المتحدة اليوم أن تنضم إلى الـ130 بلداً التي تعترف بفلسطين، لنؤشر بذلك إلى أننا نتقاسم تلك الأهداف وندعمها في كل مكان. ماثيو دَس: رئيس مؤسسة «سلام الشرق الأوسط» في واشنطن مايكل كوهن: زميل مؤسسة «سنتري فاوندايشن» في نيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»