يعدّ الاقتصاد الإماراتي الآن أحد أهم الاقتصادات على المستويَيْن الإقليمي والعالمي، إذ إنه يعوّل عليه، إلى جانب عدد آخر من الاقتصادات، في تحفيز النمو الاقتصادي العالمي، والتخلص من تداعيات الأزمة المالية العالمية، التي ما زالت ظلالها مسيطرة على المشهد العالمي، متسببة في تباطؤ النمو الاقتصادي واستمرار معاناة الاقتصادات الكبرى من مظاهر الضعف، من بينها: أزمة المديونية الحكومية، والعجز المالي، وارتفاع معدلات البطالة، وغيرها. وقد اتسعت مظاهر الضعف الاقتصادي العالمي في الآونة الأخيرة، لتشمل الاقتصادات الصاعدة، إذ تنامت المخاوف من إمكانية حدوث فقاعات عقارية، ومن تنامي الضغوط التضخمية في بعضها، كما شهد بعضها نزوحاً لرؤوس الأموال الأجنبية. وبشكل عام بدت هذه الاقتصادات أقل قدرة على النمو من ذي قبل. في هذه الأثناء تصاعدت قدرة اقتصادات أخرى على النمو، وأصبحت الأنظار منصبة عليها فيما يتعلق بالقيام بتحفيز النمو الاقتصادي العالمي، والاقتصاد الإماراتي هو من أهم هذه الاقتصادات وأبرزها الآن، ولاسيما بعد أن وصل إلى درجة عالمية من النضج والاستقرار في الأداء، واكتسب قدرة ذاتية كبيرة على النمو، بل وقدرة على المحافظة على استدامة هذا النمو في حد ذاته. وبشكل عام، يعود هذا الأمر إلى عدد من الإنجازات، التي حققها هذا الاقتصاد، التي يمكن تلخيصها في عدد من النقاط، هي: أولاً، تضاعف حجم الناتج المحلي الإجمالي لهذا الاقتصاد نحو 236 مرة خلال العقود الأربعة الماضية، حيث وصل إلى 1.54 تريليون درهم (420 مليار دولار) في نهاية عام 2014، بحسب وزارة الاقتصاد، وهذا الحجم الكبير يعبر عن اتساع القواعد الإنتاجية لهذا الاقتصاد ومتانتها. الإنجاز الثاني، أن الزيادة في حجم الاقتصاد الإماراتي اعتمدت بشكل كبير على القطاعات غير النفطية، إذ إن سياسة التنويع الاقتصادي التي طبقتها الدولة منذ فترة طويلة، ساعدتها على توسيع القواعد الإنتاجية لهذه القطاعات، إلى أن ازداد إسهامها إلى أكثر من ثلثي الناتج المحلي الإجمالي للدولة، ما جعل الاقتصاد الوطني أكثر استقلالاً عن القطاع النفطي وتقلباته، إذ تراجع نصيب هذا القطاع من الناتج إلى نحو 31% فقط. ثالثاً، داخل القطاعات غير النفطية، انصب تركيز الإمارات على عدد من القطاعات ذات المكون المعرفي الكبير، كالصناعات الدقيقة وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتعليم والطاقة المتجددة والسياحة والإعلام وغيرها، فاقتربت الدولة كثيراً من تحقيق هدفها المتعلق بالوصول إلى اقتصاد وطني قائم على المعرفة. رابعاً، تعدّ الإمارات الآن واحدة من أكثر وجهات الاستثمار جاذبية والتجارة والسياحة تفضيلاً في العالم. إذ إنها استطاعت تطوير تشريعاتها الاقتصادية وبنيتها التحتية والتكنولوجية، وربط مدنها وإماراتها المختلفة بشبكات طرق متطورة، وتهيئة أسواقها المحلية وربطها بالأسواق العالمية، عبر مطارات وطنية وموانئ ومنافذ برية تعد من الأكثر تطوراً في العالم، فضلاً عن نجاحها في بناء مجتمع إماراتي حديث ومتنوع، يتحلى بالانفتاح الفعال على العالم الخارجي. تبقى ثلاث حقائق مهمة يجب تأكيدها: أولاً، أن الإنجازات كانت بمنزلة حائط الصد، الذي حمى الاقتصاد الإماراتي في مواجهة الأزمات، ومن بينها الأزمة المالية العالمية والضغوط الناتجة عن التراجع الأخير في أسعار النفط العالمية. ثانياً، كانت الإنجازات الاقتصادية للإمارات على مدى العقود الماضية نتائج طبيعية لرؤيتها التنموية الطموحة والمتوازنة. ثالثاً، أن المستقبل يحمل فرصاً واعدة للاقتصاد الإماراتي، في ظل ما يمتلكه من قدرات ذاتية على مواصلة النمو، وطموحه نحو لعب دور مؤثر في النظام الاقتصادي العالمي. عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية