أكد التاريخ أن لحظات الازدهار، والعنفوان والعلو التي تمر بها أمة أو مجتمع، في المجال العسكري أو التقدم العلمي، ليست إلا تعبيراً عن انبعاث حضاري، يسبغ تأثيره على شتى مجالات الحياة، كما أن تفوق أي من المجتمعات وتحوله إلى نموذج في النجاح والانتصار والفخر القومي، هو أحد الأسباب الموضوعية في إحداث انبعاثة في المجال الفكري والديني، بل عامل رئيس في تمدده والتبشير به. فانكفاء الأمم والمجتمعات وانكسارها عسكرياً، غالباً ما يلازمه اندحار في الجانب الروحي والأدبي والأخلاقي، وإن كان لهذا استثناءات رأيناها في اليابان وألمانيا، وهو يعود إلى الخصائص النفسية للشعوب، أكثر منه استثناء من القاعدة، ويمكننا ملاحظة هذا في الثورة الإيرانية وتأثيرها النفسي والروحي في الشيعة في العالم، وهو تأثير اتسعت دائرته ليشمل جميع الطوائف التي انشقت أو دارت في فلك التشيع كالعلويين. ومنذ تسعينيات القرن الماضي، والزيديون في اليمن هدف لمخططات الإيرانيين، وما يجري الآن هو أحد أسباب ذلك. إن الرابطة بين شعوب العالم الإسلامي هي رابطة الدين في المقام الأول، ولا يمكننا أن نتصور شعوراً قومياً كاسحاً يمكن أن يجتاح المتفوق في حرب بين الأشقاء كما رأيناه مثلاً في معركة «واترلو» التي اندحر فيها نابليون أمام جيوش أوروبا، حيث لا تزال شعوب أوروبا حتى اليوم تحتفل بعد مئتي سنة بهذه الواقعة. أو كما حصل بعد حرب رمضان 1973. إذن لا يمكننا أن نتصور اليوم شعوراً قومياً طاغياً في استهداف الحرب على الحوثيين، لأنها في الأساس ليست حرباً على اليمن، بل محاولة لإعادة الأمور إلى نصابها ولدفع الأشقاء أبناء الوطن الواحد إلى التفاوض والوصول إلى حل عادل يضمن توازن القوى ويقلص النفوذ الإيراني ويدحر مخططاته. إذن هل هي نصر ضد إيران؟ هي بالتأكيد رسالة وصفعة للإيرانيين الذين تمادوا حد الفجور في الاستهانة بقدرة السعودية والخليج على عمل شيء يوقف زحف الفرس نحو خاصرة الجزيرة العربية، ويبدد أحلامهم الإمبراطورية، ولكن هل ما يجري هو نصر؟ لا يزال الوقت مبكراً لإعطاء جواب. المحزن أن غالبية المجتمعات العربية مكسورة ومدمرة ومشروخة في الأعماق، باستثناء دول الجزيرة العربية التي كانت هي القائد والملهم ومن حمل هم ما يجري في اليمن، كالسعودية والإمارات على الخصوص، فدول الخليج تتمتع بصحة نفسية أفضل بكثير من غيرها من إخوتها العرب، للاستقرار والرفاه والثقة. إذن فالأثر الإيجابي سيكون أكثر في الخليجيين ممن عداهم. الحرب تستهدف مخططات الإيرانيين التخريبية، التي جعلت مطيتها عرباً أقحاحاً يستندون إلى إرث مئات السنين من الحكم في اليمن، وهم زيديون تسببت الجمهورية والسلفيون في ذروة صحوتهم في سحقهم وتقليصهم واستهداف مؤسساتهم ومصادرة أوقافهم. فلنضع في الاعتبار أن ما يجري الآن قد يثمر تيارات أكثر تطرفاً وأكثر تشيعاً وتفرساً، وهنا يمكننا أن نتوقع أن تتلاشى الفروقات بين الحوثيين أنفسهم، وما يزيد المشكلة عمقاً أن الوجوه البارزة عند الحوثيين تفتقر إلى الوعي السياسي، والقدرة على التفاوض، وإدراك المكاسب والخسائر، فغالبيتهم كما يبدو قليلو الخبرة ذوو ثقافة متواضعة، وتصريحاتهم وتعليقاتهم وبياناتهم تؤكد هذا. هنا يجب على الدول المعنية بـ«تعزيز السلم» في اليمن، وخصوصاً الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وضع رؤية لما بعد «عاصفة الحزم»، ومعالجة الآثار السلبية الأخرى التي غالباً لا يلتفت إليها في غمار الحروب، وهي انحسار رقعة التسامح والاعتدال، بحيث تضع تصوراً وبرنامجاً يحتوي على دعم الاعتدال في مدارس الزيدية في اليمن، بالحفاظ على مؤسساتهم، ودعم مدارسهم، وتقوية رموزهم، وعدم السماح بتغول خصومهم السلفيين كما حصل طوال أكثر من أربعة عقود بلغ ذروته في الثمانينايت والتسعينيات من القرن الماضي، فبدلاً من أن يتلقى الزيديون الحوثيون أموالاً إيرانية بمئات آلاف الدولارات شهرياً لدعم نشر التشيع وإحداث تغيير كبير في المراجع التقليدية للفقه الزيدي، يمكن لـ«مجلس حكماء المسلمين» أن يقوم بدور فاعل في هذا الجانب.