جاري أندرسون* خلال الشهر الجاري شنت الحكومة العراقية حملة عسكرية لاسترجاع مدينة تكريت، مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين، من قبضة «داعش»، ومن أجل ذلك حشدت 30 ألف جندي ثلثهم من المليشيات الشيعية المعروفة باسم «الحشد الشعبي» التي يقودها مستشارون إيرانيون، في مواجهة عناصر «داعش» المتحصنين داخل المدينة الذين يقدر عددهم ببضع مئات، ولأن السلطات العراقية لم تطلب إسناداً جوياً من أميركا ربما على افتراض أن تتم هذه العملية بمنأى عن المشاركة الأميركية، حيث اعتقد بعض المراقبين أن عملية استرجاع المدينة قد لا تكون صعبة، وأنها مسألة وقت قبل أن ينهار مقاتلو «داعش» وتسقط المدينة ذات الغالبية السنية في أيدي القوات الزاحفة. ولكن ما حدث كان غير ذلك، فتكريت على رغم مرور أيام على بدء العمليات العسكرية لم تسقط، وقوات «الحشد الشعبي» لم تتمكن من اقتحامها، أو تحريرها، بل إن النعوش التي تحمل جثامين مقاتلي «الحشد الشعبي» ما فتئت ترجع إلى أهلها للدفن وبأعداد فاقت المتوقع. هذا في الوقت الذي لم يبدِ فيه عناصر الجيش العراقي النظامي حماساً كبيراً لدخول المدينة وخوض مواجهات مباشرة مع مقاتلي «داعش». والحقيقة أن هذا التعثر ليس مستغرباً على من خبر حرب المدن وصعوباتها، فهذه النوعية من القتال ليست للهواة، بل أن الجنود المحترفين ذوي الخبرة القتالية العالية يعانون في مستنقع المدن، وهو ما تعلمته الولايات المتحدة جيداً في فيتنام، كما في مقديشو بالصومال، بالإضافة إلى دروس أخرى مشابهة تعلمها الروس في جروزني بالشيشان. ويبدو أن قوات «الحشد الشعبي» تواجه الصعوبات ذاتها في عملية اقتحام تكريت. ومثل هذا الأمر دفع الجيش الأميركي لتطوير نموذج فعال لحرب المدن في الفترة بين 1994 و2000، حيث عكف طيلة تلك السنوات على تطوير أساليب وتكتيكات خاصة بحرب المدن، وقد كنت أحد الذين انخرطوا في تجربة تطوير تلك التجربة، وعلى امتداد تلك الفترة كان التقدم بطيئاً وأحياناً متعثراً حيث خضنا المعارك القاسية في مدينة الفلوجة سنة 2004 ضد «القاعدة». وعلى رغم التكلفة الغالية لتلك المعارك فقد تمكن الجيش الأميركي بفعل احترافيته والتكتيكات التي أنفق على تطويرها ملايين الدولارات من دحر المقاتلين وتحرير المدينة. وبالطبع لا تتوفر هذه الاحترافية في عناصر «الحشد الشعبي»، ما يعني أن حالة التعثر الحالية قد تستمر طويلاً ما لم تقرر الولايات المتحدة إرسال قواتها إلى الجبهات الأمامية في العراق. * عقيد متقاعد في الجيش الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»