صُدمت بعض البلدان الأوروبيّة عندما اكتشفت بأن آلافا من شبابها قد انضمّوا لتنظيم «داعش» المتطرّف، وهو ما دعا أغلبها إلى سن قوانين صارمة للحد من هذه المشكلة التي بدأت تُقلقها والآخذة في التفاقم، خاصة بين صفوف الأبناء الذين وُلدوا وترعرعوا على أرضها وينتمون لأسر عربيّة ومسلمة هاجرت للغرب واستوطنت هناك منذ عقود! بريطانيا كانت على رأس هذه الدول، وقد صرّحت وزيرة خارجيتها بأن بلدها لن تتسامح مع سلوك المتطرفين الإسلاميين، داعية كل شخص في بريطانيا إلى احترام القانون ومؤسسات الدولة. وقد سبق هذا التصريح مطالبات من داخل البرلمان بحظر الدعاة الذين يُحرّضون على الكراهية، وإغلاق مكاتبهم حماية لعقول الشباب من الانجراف خلف معتقدات دينيّة خاطئة! لا أدري إنْ كان الوقت قد تأخر بالنسبة لأوروبا وبريطانيا تحديداً التي احتضنت جماعات متطرفة على أرضها سنوات طويلة! ولم تكن الحكومة البريطانيّة تلتفت للنداءات التي كان يُطلقها مثقفوها وسياسيوها بوجوب مراقبة أفراد هذه الجماعات ومنعها من بث سمومها بين أجيال الشباب الصاعد! وليس سرّاً أن هذه الجماعات قد نجحت بغرس كل أنواع البذور الفكريّة المتطرفة في تربة الشباب الخصبة! لكن السؤال.. هل يكفي ما تقوم به البلدان الغربيّة من إجراءات للقضاء على الحوادث الإرهابيّة، والمحافظة على أرواح شبابها؟ ماذا عن استفزاز مشاعر المسلمين بنشر صور مسيئة لرسولهم، واعتبارها جزءاً لا ينفصم من حريّة التعبير، في الوقت الذي تمنع أي شخص من التعرّض للمحرقة النازيّة والتشكيك فيها وإلاّ خضع للمحاكمة؟ ماذا عن الإعلام الغربي الذي لا يلتزم الحياد في تعامله مع القضية الفلسطينيّة ويُبرر للإسرائيليين ما يقومون به من قمع وتنكيل بالفلسطينيين؟ داخل استوديوهات هوليود لا يختلف الوضع! وكان تمَّ إنتاج فيلم (قنّاص أميركي) تدور أحداثه إبّان الغزو الأميركي على العراق، وأثار عند عرضه بدور السينما الكثير من الجدل داخل أميركا وخارجها بسبب مضمون الفيلم، وقد أعلنت اللجنة الأميركيّة لمناهضة التمييز بأن موجة التهديدات ضد المسلمين داخل الولايات المتحدة، قد ارتفعت بعد عرض هذا الفيلم! ليس ما يجري غريباً! فقد اعتادت السينما الأميركيّة تلميع صورة جنودها الذين حاربوا بمنطقة الشرق الأوسط تحديداً، وهو ما فعلته مع (كريس كايل) القاتل المجرم الذي سعت إلى تبييض صورته وهو الذي لم يكن يخجل من القول «لا أبالغ أو أكذب حين أقول: إن قتل العراقيين كان متعة بالنسبة لي». العنف والقتل لا جنسيّة لهما، ولكننا أصبحنا في صدارة الأمم بسبب الفتاوى القاتلة التي يُطلقها دعاتنا المتطرفين! وهنا أتذكّر بأنني كنتُ قد قرأت تصريحاً لأحد شيوخنا المتشددين وقوله بأن أهل الجنّة يتحدثون فقط بالعربيّة! مما يؤكد بأننا أمّة تسعى لاقصاء العالم بكل ما فيه! وآخر حشر أنفه في أمور العلم، مُعلناً بأن الأرض لا تدور وأن وصول الإنسان إلى القمر أكذوبة كبرى! للغرب أخطاؤه الفادحة تجاهنا من خلال فنونه وإعلامه الذي يُظهرنا كأمّة متخلّفة، لكن هذا لا يعطينا الحجة بأن نقلب المائدة على رؤوس الجميع، فهناك مئات الآلاف من المهاجرين الذين استوطنوا في بلدان أوروبيّة هرباً من نير الظلم والاستبداد الذي عانوه بأوطانهم، وتطلعاً لحياة كريمة أفتقدوها في بلدانهم، وما يقوم به الإرهابيون من أفعال دمويّة، سيُثر الضغائن والأحقاد على المهاجرين هناك! لا يُمكن أن ينعم العالم بالسلام، وهناك أيد ترفع شعار العنف! وأخرى تفتح طاقة الجهل على مصراعيها! الحل يكمن في توقّف الدعاة عن حشر أنوفهم في أمور السياسة، وترك الاكتشافات العلميّة لأهلها. كفانا الاستهترار بأمور الخلق والعبث بالعلم!