منذ أسبوعين قيل بأن معركة «تحرير تكريت»، ستنتهي خلال 72 ساعة، ولم تنته بعد. والواضح أن ثمة نزاعاً أميركياً – إيرانياً حول هذا الموضوع يذكّر بما جرى في كوباني في سوريا. حيث ترك تنظيم «داعش» يحتل كل المنطقة، ثم قيل خلال أيام سيتم تحرير كوباني فاستمرت الحرب عليها أكثر من أربعة أشهر لتدمّر بالكامل. ويبدو أن المشهد ذاته سيتكرّر في تكريت، مع ما لهذه المدينة من رمزية كونها مدينة الرئيس صدام حسين، ومدينة سُنية، والحساسية السُنية الشيعية عالية جداً، والتحذيرات من تنامي الفتنة المذهبية عالية أيضاً. الجنرال الأميركي ديفيد بتراوس القائد السابق للقوات الأميركية في العراق حذّر من الغرق في حرب طويلة في العراق إذا لم تتم المصالحة مع السُنة! رئيس أركان القوات الأميركية الجنرال «ديمبسي»، الذي عاد إلى العراق منذ أسابيع بعد أن خدم لفترة طويلة، قال: «أعود لأرى المشكلة ذاتها أمامي. إنها الانقسام المذهبي الواسع. لم أر من الطائرة إلا أعلام الميليشيات الشيعية. لم أر العَلَم العراقي»! والجنرال «بيتر تشيارلي» الذي خدم مع بترايوس أشار إلى:«إننا لا نستطيع تكرار الأخطاء ذاتها التي ارتكبناها خلال السنوات الثماني الماضية. لقد قلت عام 2006 إن إرسال المزيد من القوات لن يساهم في حل المشكلة. هو ضمّادة جروح إذا لم يتم التعامل مع النزاع المذهبي»، وفي 12 فبراير الماضي قدم السفير السابق للولايات المتحدة لدى العراق وتركيا «جيمس جيفري» رؤيته للوضع في العراق وخطر «داعش» أمام لجنة الشؤون الخارجية التي تعد إحدى أهم لجان مجلس النواب وقال فيها: (إن إلحاق الهزيمة بـ «داعش» يتطلب على المدى الطويل التوفيق بين جميع الفئات الدينية والعرقية في العراق. وهذا بدوره يتطلب: أولاً:إلغاء المركزية وتعميم ما تتمتع به حكومة إقليم كردستان راهناً، على المحافظات السُنية وربما في المحافظات الشيعية. وثانياً:التزام أميركا بتوفير عدد محدود من الجنود الأميركيين لتدريب القوة الجوية وتأمينها. وثالثاً:التوضيح لإيران بأن أي مساعدة تبذلها للسيطرة على العراق واستبعاد الولايات المتحدة بالكامل ستؤدي إلى ظهور النسخة التالية من «داعش» وفي النهاية إلى تفكك البلاد، وربما إلى احتدام النزاع بين السنة والشيعة). يعني بوضوح تام، لمحاربة الإرهاب ينبغي تقسيم البلاد، بل المنطق والعقل يقولان بأن الوحدة الوطنية تسقط التطرف والإرهاب وتمنع الانقسام المذهبي. أما التقسيم فهو يعني الحرب المفتوحة مع هذا المستوى العالي من الحقد بين المكونات الأساسية في البلاد منذ الاحتلال الأميركي لها وحتى الآن. والرئيس أوباما نفسه قال منذ أيام: «إن داعش هو ثمرة مباشرة لتنظيم القاعدة في العراق الذي نما بعد اجتياحنا لهذا البلد. وهو مثال على النتائج غير المحسوبة ومن أجل ذلك يجب أن تصوّب قبل أن تطلق النار»! إذا كان الرئيس الأميركي مقتنعاً فعلاً بهذه الحقيقة، فماذا تفعل قواته في العراق؟ وما هو دور الولايات المتحدة؟ إن في هذا الإقرار اعترافاً بأن «داعش» هو ثمرة للسياسة الأميركية فهل تستمر على ما هي عليه؟ وهل المعادلة المطروحة اليوم من قبل الأميركيين، وهي التي طرحت سابقاً من قبل الإيرانيين أثمرت وحدة وطنية؟ عند إعلان التحالف الدولي تم استبعاد إيران منه، لكن دورها لم يلغ ولم يسقط، وهي لم تتراجع، بل قواتها موجودة بشكل مباشر على الأرض والجنرال قاسم سليماني يدير العمليات علناً. الأميركي مع تحالفه أصبح دوره ثانوياً، والإيرانيون من خلال ما تبقى من القوات العراقية ومن خلال قوات الحشد الشعبي يقولون له: يتمكن كل تحالفكم وكل قواتكم من تحقيق ما حققناه خلال أيام! حتى وصلنا إلى النقطة التي يطالب فيها الأميركي بعدم استبعاده كما قال «جيفري»، وإلا سيكون الوضع مفتوحاً على احتمال تصاعد الصراع السني – الشيعي وتقسيم البلاد! وهذا ما ستكون عليه النتيجة النهائية للوضع في ظل لعبة الأمم والطواغيت الممتدة من «كوباني» إلى تكريت! لاسيما عندما يتم استنفار المشاعر المذهبية في الحرب الدائرة حول تكريت، وعندما يكون العراقي المهجّر من المناطق السُنية إلى كردستان يحتاج إلى إقامة في منطقة أخرى من بلاده! من إدارة بوش إلى إدارة أوباما ثمة نتائج كارثية ولا ديموقرطية ولا سلم ولا استقرار ولا وحدة وطنية ولا اعتدالاً بل دمار وخراب وتفتيت! *وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني السابق