عندما تخلى نتنياهو عن منصبه كرئيس للوزراء وقام بالدعوة إلى انتخابات جديدة أعلن أن هدفه هو الحصول على رصيد أكبر من مقاعد البرلمان يمكنه من تكوين حكومة يمينية لا يقلقها شركاء من أمثال تسيبي ليفني زعيمة حزب «الحركة»، والتي كانت تشغل منصب وزير العدل. لقد كتبت مرات عديدة أؤكد رؤيتي لموقف نتنياهو الحقيقي من القضية الفلسطينية عندما كان يعلن أنه يؤيد حل الدولتين، ويدخل المفاوضات الهادفة لتحقيق هذا الحل، قلت إنه يناور الإدارة الأميركية بدهاء وإنه يتجنب الصدام المباشر مع أوباما، بينما هو في حقيقة الأمر لم يتخلَ عن شعار حزبه «الليكود» الذي ينص على أنه لا مكان بين النهر والبحر إلا لدولة واحدة هي دولة إسرائيل. ومن هنا أراد نتنياهو أن يتخلص من ليفني التي تتصور أن بعض الجدية في المفاوضات وتقديم تنازلات يحافظ على العلاقات الاستراتيجية القوية بين إسرائيل والولايات المتحدة. لقد أسفرت الانتخابات عن فوز كبير لنتنياهو الذي استطاع أن يرفع رصيد «الليكود» من مقاعد الكنيست من 21 مقعداً في الانتخابات السابقة إلى 30 مقعداً بزيادة تسعة مقاعد، وبالتالي يمكنه تكوين حكومة من الأحزاب اليمينية التي تؤمن بسياساته بأغلبية مريحة، أعتقد أنه من المهم هنا أن نسجل النتائج النهائية بعد فرز جميع صناديق الاقتراع، لأني ألاحظ أن الأرقام المتداولة في الصحف العربية تعتمد على النتائج التي أعلنت بعد فرز 99% من الصناديق. لقد تبلورت الصورة النهائية في الكنيست على النحو التالي: أولًا، أحزاب اليمين: «الليكود» (30 مقعداً)، «إسرائيل بيتنا» (6 مقاعد)، «البيت اليهودي» (8 مقاعد).. المجموع 44 مقعداً. ثانياً، أحزاب الوسط: «حزب كلنا» بزعامة موشي كحلون (10 مقاعد)، حزب «يشي عاتيد» (11 مقعداً).. المجموع 21 مقعداً. ثالثاً، الأحزاب الدينية: «شاس» (7 مقاعد)، «يهدوت هتوراة» (6 مقاعد).. المجموع 13 مقعداً. رابعاً، الأحزاب اليسارية: «المعسكر الصهيوني» المكون من تحالف حزبي «العمل» و«الحركة» بزعامة هرتزوج (24 مقعداً)، حزب «ميرتس» (5 مقاعد).. المجموع 29 مقعداً. خامساً، «القائمة العربية الموحدة» (13 مقعداً). لقد استطاع نتنياهو بعد فوزه أن يحصل على تزكية أحزاب اليمين (44 مقعداً) والأحزاب الحريدية (13 مقعداً) و«حزب كلنا» (10 مقاعد)، ليكون رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة، وأمامه 28 يوماً ليعلن صورتها النهائية، وهو أمر مضمون حيث إن مجموع أعضاء الكنيست الذين يؤيدونه بلغ 67 عضواً من مجموع 120 عضواً. إن نتنياهو بعد الفوز لن يختلف في سياساته قبل الفوز، فقد أعلن في خضم المعركة الانتخابية أنه لن يسمح بإقامة دولة فلسطينية إذا أُعيد انتخابه، وهنا ألزمته الضرورة الانتخابية للحصول على مزيد من أصوات مؤيدي الأحزاب اليمينية بالإفصاح عن موقفه الحقيقي من رفض الدولة الفلسطينية. طبعاً لقد اضطر عندما كشرت إدارة أوباما عن أنيابها بسبب تصريحه المذكور إلى العودة للمناورة فصرح لشبكة NBC الأميركية أنه ما زال متمسكاً بحل الدولتين. هكذا يعود نتنياهو إلى لعبته المفضلة وهي المناورة بالموافقة اللفظية لمجرد كسب الوقت وتجنب الصدام مع أوباما.