كانت الانتخابات المحلية التي أجريت يوم الأحد الماضي في فرنسا وإسبانيا هي أول اختبار كبير للأحزاب الشعبوية الأوروبية منذ يناير الماضي حين فاز حزب «سيريزا» اليساري بالسلطة في اليونان، ولكن هذه المرة خسر المتشددون، ولم يحققوا إلا نجاحاً متوسطاً، وأي شخص يأمل في إطاحة الأحزاب السياسية الراسخة في الدول الأوروبية الكبيرة عليه أن يقر أولاً بالصمود وروح القتال لدى هذه الأحزاب، وصعوبة إلحاق الهزيمة بها في الاستحقاقات السياسية. وفي إسبانيا، جرت انتخابات برلمانية في إقليم الأندلس، أكثر مناطق البلاد سكاناً التي تعاني بطالة بلغت 34 في المئة. والنسخة الإسبانية من حزب «سيريزا»، وهو حزب «بوديموس» الذي يقوم برنامجه على إعادة هيكلة الديون وتعزيز الدعم للفقراء، فاز بنسبة 14,9 في المئة من الأصوات. وهذه نسبة كبيرة لحزب جديد سعد بها مرشحوه، ولكنهم أيضاً لم يحصدوا إلا 15 مقعداً من 109 مقاعد في البرلمان المحلي، والفائز في انتخابات يوم الأحد كان الحزب الاشتراكي الذي حصل على 35,9 في المئة من الأصوات، وهو الحزب الذي حكم منطقة الأندلس منذ 33 عاماً، وحصل الحزب على 47 مقعداً، وهي نسبة لا تمثل أغلبية، ولكنها كافية لتشكيل ائتلاف لا يضم «بوديموس»، بل إن حزب الشعب من يمين الوسط، وهو قوة سياسية تقليدية أيضاً، ألحق الهزيمة بحزب «بوديموس» حاصلًا على 26,3 في المئة من الأصوات. وقد ذكرت مدونة «ذي سبين ريبورت» أن نموذج هيمنة حزبين سياسيين فقط في إسبانيا لم تنته بعد كما كان يتوقع بعض الناس... لقد تلقت ضربة، ولكنها لم تمت»، صحيح أن نتائج الانتخابات جاءت مقاربة لاستطلاعات الرأي، ومن ثم يمكن الجدال بأن «بوديموس» الذي يتصدر استطلاعات الرأي على المستوى الوطني يستطيع إلحاق الهزيمة بالأحزاب السياسية القديمة في الانتخابات العامة في ديسمبر، ولكنني أشك في هذا، لأنه إذا كان الحزب اليساري الشعبوي قد خسر في أكثر مناطق البلاد ضيقاً اقتصادياً، فليس من المرجح أن يحقق معجزات في مناطق أخرى. وفي فرنسا، كان من المتوقع أن يفوز حزب «الجبهة الوطنية» اليميني المتطرف بزعامة مارين لوبن في انتخابات لاختيار مجالس محلية، وهو مستوى ليس شديد الأهمية من السلطة، ولكن لهذه الانتخابات أهمية خاصة للحزب اليميني المتطرف الذي يكافح من أجل بلوغ السلطة، ويحاول إثبات أنه يستطيع الحكم بالفعل، وفي نهاية المطاف، حل الحزب في المرتبة الثانية بحصوله على 25,2 في المئة من الأصوات على رغم أن استطلاعات الرأي كانت تضعه في الصدارة، وقد تقدم عليه حزب «الاتحاد من أجل حركة شعبية»، بزعامة الرئيس السابق نيكولا ساركوزي ليحصل على 29,4 في المئة وحل الحزب الاشتراكي بزعامة الرئيس فرانسوا أولاند في المرتبة الثالثة بحصوله على نسبة 21,2 في المئة. وتستطيع «لوبن» أن تدعي فوزاً لأن حزبها سيحكم بضع مناطق للمرة الأولى في التاريخ، ولكن النتائج تنذر أيضاً بضعف فرصها في الفوز على المستوى الوطني، لأن الأحزاب التقليدية ما زالت قادرة على إلحاق الهزيمة بـ«الجبهة الوطنية» عندما تريد ذلك. وبالتالي يمكننا القول، إن الدول التي تتمتع باقتصادات أقل سوءاً، وأنظمة ديمقراطية أكثر استقراراً من اليونان ترتاب عادة في الفيروسات الشعبوية، ومن بين 28 دولة يضمها الاتحاد الأوروبي هناك 24 منها تديرها ائتلافات، وقلة من هذه الائتلافات يتضمن شعبويين متشددين، بل إن الهدف من تشكيلها في كثير من الحالات كان أساساً لاستبعاد هؤلاء الشعبويين. والقوى الوسطية يمكنها خلق بديل موثوق به عن الحماسة الشعبوية، وأحزاب التيار الرئيسي يمكنها دحض أفكار الشعبويين وتفنيدها. وعلى سبيل المثال، لا يصعب على حزب ساركوزي استيعاب تشدد «الجبهة الوطنية» تجاه الهجرة غير الشرعية، والأحزاب الاشتراكية التقليدية لا تعادي هي أيضاً كل الأفكار اليسارية لحزبي «بوديموس» و«سيريزا»، وكل ما تحتاجه هو اختيار بعض الأفكار الملائمة لهم والقابلة للتنفيذ. صحيح أن فوز «سيريزا» مثل دفعة للشعبويين في أوروبا، ولكن خبرة هذا الحزب حتى الآن، مثل عدم قدرته على التوصل إلى اتفاق مع الدائنين أو تحقيق إصلاحات اقتصادية وحكومية سريعة، لا يبعث على التفاؤل في مناطق أخرى من القارة الأوروبية. ليونيد بيرشيدسكي كاتب روسي مقيم في برلين ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»