رغم أجواء الأزمة الاقتصادية التي ما زالت تخيم على العديد من دول العالم وتداعياتها المستمرة حتى الآن، حافظت بعض المناطق والتكتلات على قوتها لتظل رقماً صعباً في الساحة الاقتصادية وإن كانت قد عانت هي الأخرى من انعكاسات الركود الاقتصادي، والأمر هنا يتعلق بدول «البريكس» الخمس: الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا، والتي منذ ظهورها في عام 2001 تواصل مسيرتها رغم الصعوبات الاقتصادية وضعف التنسيق بين دولها. هذه المسيرة يتعقبها الباحث أوليفر ستونكيل، في كتابه «دول البريكس ومستقبل النظام العالمي»، والذي يحاول فيه دحض الفكرة القائلة بأن أيام تلك الدول باتت جزءاً من الماضي، وأن الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 2008 كانت إيذاناً بنهايتها. وكما يوضح الكاتب فإن التباطؤ الحالي الذي تعرفه بعض دول «البريكس»، فيما يتعلق بالنمو الاقتصادي لا يغير شيئاً في جوهر التوقعات المستقبلية التي تظل في مجملها إيجابية؛ فالصين مثلا ستواصل طريقها، رغم تباطؤ النمو في السنوات الأخيرة، لتتجاوز الاقتصاد الأميركي، فيما ستتحول الهند إلى ركن أساسي في الاقتصاد العالمي خلال هذا القرن، بل يؤكد الكاتب أنه لا عودة إلى التوزيع القديم للازدهار الاقتصادي كما شهده القرن العشرين لتتحول دول «البريكس» الخمس إلى قطب اقتصادي مهم لا يقل في قوته عن الأقطاب التقليدية. وفيما ينعي بعض المحللين قيام مؤسسة تمثلها دول «البريكس» تعيد التوازن للنظام الاقتصادي العالمي الذي يهمين عليه الغرب، بمؤسساته التي ظهرت بعد الحرب العالمية الثانية والمعروفة باسم «بريتون وودز»، يقول الكاتب إن ذلك بعيد كل البعد عن الواقع؛ فالأزمات التي تشهدها دول البريكس بتفاوت فيما بينها هي أكبر فرصة لإجراء الإصلاحات الاقتصادية المتأخرة، فعندما كانت البرازيل في أوجه نموها مع الرئيس السابق لولا دي سيلفا، ما كانت مضطرة لمباشرة الإصلاحات الضرورية، حيث اعتمد الرجل على رصيده السياسي العالي لوضع برامج اجتماعية مكلفة وتوسيع الإنفاق الحكومي، الأمر الذي لم يعد اليوم قابلا للاستمرار، لكن مع تباطؤ نمو الاقتصاد البرازيلي بسبب تراجع أسعار المواد الأولية أصبحت الإصلاحات ضرورية وملحة. ورغم هذه التعثرات ما زالت دول «البريكس» ذات وزن اقتصادي مهم على الصعيد الاقتصادي، فحسب توقعات «جولدمان ساكس» كان من المتوقع أن يصل إجمالي الناتج الداخلي لأربع دول من البريكس إلى 8.7 تريليون دولار بحلول 2013، إلا أنه اليوم يفوق بكثير هذا الرقم، حيث بلغ إلى حدود 2014 ما يناهز 15 تريليون دولار. أما التباطؤ الاقتصادي الحالي فيعتبره الكاتب مؤقتاً، بل فرصة للانخراط في الإصلاحات المطلوبة، سواء تعلق الأمر بالبرازيل، أو بالهند التي أقدم فيها «مودي» على سلسلة من الخطوات الاقتصادية الرامية لتحفيز النمو، أو حتى الصين التي انخرطت في إعادة هيكلة اقتصادها للتقليل من انكشاف نموذجها القائم على التصدير. هذا ولا يقتصر تأثير دول «البريكس» على الجانب الاقتصادي، بل يتعداه إلى السياسية أيضاً، حيث يشير الكاتب إلى أزمة القرم التي ضمتها روسيا ودخول هذه الأخيرة في صراع مع الغرب، إذ رغم انزعاج القوى الغربية من عدم انخراط دول «البريكس» في الضغط على روسيا، إلا أن موقف القوى غير الغربية مثل الصين والهند والبرازيل كان حاسماً في عدم تصعيد التوتر في شرق أوروبا، ذلك أن قراءة «البريكس» تقوم على عدم حشر موسكو في زاوية ضيقة، وعدم الانجرار أيضاً إلى تحميلها كامل المسؤولية بالنظر إلى التمدد الغربي اتجاه حدود روسيا الغربية. هذا الموقف جعل الغرب يتراجع ويعي أن روايته ليست تلك التي تتقاسمها القوى العالمية الخارجة عن نطاق نفوذه. زهير الكساب الكتاب: دول البريكس ومستقبل النظام العالمي المؤلف: أوليفر ستونكيل الناشر: ليكسنجتون بوكس تاريخ النشر: 2015