اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة خلال السنوات الأخيرة عدداً من الإجراءات لدعم قطاع البحث العلمي، وقد تضمنت هذه الإجراءات إنشاء «الهيئة الوطنية للبحث العلمي»، التي تهدف إلى بناء بيئة ملائمة ومشجعة للبحث العلمي وخلق كوادر بحثية مؤهلة لتحمّل مسؤولية إجراء البحوث والدراسات العلمية التي تخدم أهداف التنمية، وذلك لتعزيز القدرة التنافسية للدولة في القطاعين العلمي والبحثي. وفي السياق ذاته، أنشأت الدولة قاعدة بيانات للباحثين، ضمت في مراحلها الأولى أكثر من 5 آلاف باحث من 57 جامعة معتمدة، ومكتبة وطنية رقمية لأطروحات الدراسات العليا، يستهدف أن تصل سعتها إلى 50 ألف أطروحة في غضون خمس سنوات. وفي السياق ذاته أعلن «مجلس أبوظبي للتعليم»، خلال أعمال مؤتمر الإمارات لأبحاث طلاب الدراسات العليا 2015، تخصيص مبلغ 5 ملايين درهم، لعقد مؤتمرات علمية تستقطب الباحثين من دول العالم كافة، في إطار توجهها نحو توفير فرص للطلبة في الإمارات للاطلاع على البحوث العلمية، والالتقاء بأفضل الباحثين على المستوى العالمي. لكن برغم هذه الجهود فإن وضع قطاع البحث العلمي في دولة الإمارات العربية المتحدة ما زال لا يلبي احتياجاتها وطموحاتها المستقبلية، وما زالت هناك بعض التحديات التي تواجهه، أهمها اقتصار جهود دعم البحث العلمي على الجهات الرسمية، وغياب دور القطاع الخاص عن ذلك، ما يوجب إعداد منظومة متكاملة لدعم البحث العلمي على مستوى الدولة، تتضمن إزالة العراقيل التي تعيق مشاركة القطاع الخاص في دعم هذا النشاط الحيوي والمهم في دعم جهود التنمية والتطور والبناء في هذا الوطن العزيز، وترسيخ ثقافة البحث العلمي في المجتمع المحلي، وحث المؤسسات التعليمية في القطاعين العام والخاص على دعمه من باب مسؤوليتها المجتمعية، إما عبر تبنّي الباحثين أو عبر تمويل البحوث العلمية، وإما عبر اعتماد النتائج والمخرجات العلمية لهذه البحوث والدراسات وتطبيقها في عمليات الإنتاج وإنجاز الأعمال اليومية بهذه المؤسسات، كوسيلة لدعم الباحثين وتحفيزهم على المزيد من الابتكار، وكأداة لتطوير البحث العلمي ذاته. وفيما تعد الجلسات التحفيزية التي تنظمها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي للشركات الخاصة العاملة في القطاعين الصناعي والخدمي، لتحفيزها على الاستثمار في البحوث العلمية، وتعريفها بأهميته في دعم أعمالها، تحركاً إيجابياً في هذا الاتجاه، إلا أننا بحاجة إلى تحركات تشجيعية إضافية من قبيل اعتماد نسب أكبر لمشاركة القطاع الخاص في دعم مؤسسات التعليم العالي أو المراكز البحثية، كمعيار إضافي لمنح المؤسسات الخاصة تسهيلات وحوافز حكومية إضافية. إن دولة الإمارات العربية المتحدة لديها من الإمكانات ما يؤهلها لبناء بيئة بحثية وابتكارية في ظل المبادرات النوعية التي تطلقها القيادة الإماراتية، كإعلانها، بتوجيهات من صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عام 2015 عاماً للابتكار، وإطلاقها الاستراتيجية الوطنية للابتكار، الهادفة إلى جعل دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن الدول الأكثر ابتكاراً على مستوى العالم خلال السنوات السبع المقبلة، عبر تأهيل الكوادر الوطنية القادرة على الإبداع، وتحفيز المؤسسات العامة والخاصة على الابتكار، وإنشاء وتدشين مؤسسات علمية وبحثية قادرة على المنافسة الدولية. ولذا تتطلع دولة الإمارات العربية المتحدة إلى أن تتحمّل المؤسسات الخاصة مسؤوليتها تجاه الوطن في دعم المبادرات الطموحة للاتقاء بالقطاع البحثي، وإعداد الكوادر البحثية المواطنة، وتشجيع الطلاب والباحثين على إجراء البحوث والدراسات العلمية، ولا تدخر الدولة جهداً في سبيل دعم جهود هذه المؤسسات في الوقت نفسه، في عصر باتت فيه البحوث والابتكارات العلمية من مقاييس التفوق العلمي والتطور في المجتمعات الحديثة، وخاصة أن مردود البحوث العلمية سيعود بالنفع على المجتمع كله. عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية