خاضت العديد من المجتمعات والشعوب، ولا زالت تخوض، أنواعاً مختلفة من الحروب، التي لم توظف فيها دائماً الأسلحة التقليدية، من دبابات، وغواصات، وحاملات طائرات، أو استخدمت فيها هذه الأسلحة التقليدية، بالترافق مع أشكال أخرى من المواجهة والصراع، مثل الحرب على الفقر (War on Poverty)، والتي بدأها وأطلقها الرئيس الأميركي الأسبق «ليندون جونسون» خلال خطاب «حالة الاتحاد»، في الثامن من يناير عام 1964، استجابة لوصول مستويات الفقر في الولايات المتحدة حينها إلى عشرين بالمئة من السكان، وبغض النظر عن نتائج حرب «ليندون جونسون»، ومن كان المنتصر أو المهزوم فيها، أصبح هذا المصطلح يستخدم لوصف أية جهود اقتصادية، تهدف إلى تحقيق المزيد من العدالة الاقتصادية داخل المجتمع، وخصوصاً خفض نسبة الفقر بين السكان، في أي من دول العالم. ومع وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، خرج الرئيس الأميركي حينها «جورج بوش» على العالم، بمصطلح مشابه، أصبح معتاداً وواسع الاستخدام حالياً، هو الحرب على الإرهاب (War on Terror). ومرة أخرى، لم يصدر التاريخ بعد حكمه النهائي على نتائج هذه الحرب، حيث تميزت باستراتيجيات مهترئة، وأهداف غير محددة، وحتى الإرهاب لا يوجد اتفاق على معناه. ومؤخراً، وفي ظل حالة الاستقطاب السياسي الحالية في الولايات المتحدة، ظهر مصطلح جديد شبيه بالمصطلحين السابقين، وهو الحرب على النساء (War on Women) ، والذي أصبح يتداول بازدياد في أروقة مراكز القوة في العاصمة الأميركية، وهو في الحقيقة، تعبير ازدرائي أو انتقاصي، يطلقه «الديموقراطيون» على خصومهم الجمهورين«، لوصف وتحقير سياسات الحزب «الجمهوري» ضد النساء، متهمين إياهم بالتخطيط العمد، لتقليص وتحجيم حقوق المرأة التي اكتسبتها خلال العقود القليلة الماضية، وخصوصاً حقها في الاختيار بين الحمل والإنجاب، وبين الإجهاض. وبين هذه الحروب وتلك، تراجعت مكانة، وقل استخدام مصطلح آخر شبيه، رغم أهميته الفائقة، وهو مصطلح الحرب على المخدرات (War on Drugs)، والذي صاغة واستخدمه للمرة الأولى -كبقية مصطلحات الحروب السابقة- رئيس أميركي سابق، هو «ريتشارد نيكسون». ويشير هذا المصطلح إلى الجهود الهادفة لخفض إنتاج، وتوزيع، واستهلاك المواد، التي تعرفها منظمة الأمم المتحدة على أنها عقاقير محظورة ذات تأثير نفسي شديد، كثيرا ما يؤدي استخدمها إلى الإدمان المزمن. وتتضمن هذه الجهود، جميع السياسات الهادفة إلى تشديد العقوبات الجنائية على إنتاج، وتوزيع واستهلاك المخدرات، وبالتزامن مع تقديم المساعدات العسكرية، والاقتصادية، والتقنية الفنية، للدول المعروف عنها كونها مركزاً رئيسياً لإنتاج المخدرات، بالإضافة إلى سن القوانين والتشريعات التي تجرم غسيل الأموال، أو تقنين الأرباح الناتجة عن الاتجار بالمخدرات، ومعاقبة البنوك، والمؤسسات التي تشارك في مثل هذا الغسيل والتقنين، بعقوبات مالية غليظة، قد تصل إلى مليارات الدولارات. ولكن بعد مرور أكثر من أربعة عقود على بداية هذه الحرب، مع إعلانها من قبل «ريتشارد نيكسون» في بداية عقد السبعينيات، وبعد إنفاق مئات المليارات من الدولارات في شكل مساعدات عسكرية للدول التي تحتل أراضيها مكانة متقدمة في قائمة الدول الأكثر إنتاجاً المخدرات، وأحيانا حتى التدخل العسكري المباشر، لا بد وأن نتساءل: ما إذا كانت هذه الحرب قد حققت أهدافها بالفعل، أو جزءاً بسيطاً منها؟ للإجابة عن هذا السؤال، لا بد وأن نسترجع حقيقة مهمة، وهي أن تقديرات الأمم المتحدة تشير إلى أن حجم التجارة العالمية في المخدرات، يزيد حالياً على 320 مليار دولار سنوياً، أو ما يعادل واحد في المئة من حجم التجارة العالمية في جميع أنواع السلع والبضائع، وهو ما منح الفرصة للشكوك في جدوى هذه الحرب أن تتزايد، وأحيانا حتى للحكم عليها بالفشل التام. وهو ما عبرت عنه «المفوضية الدولية للسياسات المتعلقة بالمخدرات»، قبل بضعة أعوام، من خلال تقييمها للوضع العالمي، والذي أكدت من خلاله أن الحرب العالمية على المخدرات قد فشلت، ونتج عنها تبعات فادحة على الأشخاص والمجتمعات حول العالم، حيث لم ينجح تمحور سياسات مكافحة المخدرات -على مدار أربعة عقود- حول تطبيق أقسى القوانين وأشد العقوبات، في تحقيق الهدف المرجو، بل على العكس أدى إلى توليد ثقافة عامة من العنف الشديد، من قبل المستفيدين من هذه التجارة، ومن قبل المدمنين لمنتجاتها. ولكن هذه الأرقام الهائلة، وما نتج عنه من أحكام قطعية بالفشل، تتجاهل حقيقة مهمة، وإحصائيات وتقديرات غير معروفة، أهمها، هو الحجم الاقتصادي الذي كان سيتسنى لتجارة المخدرات أن تبلغه، لولا تطبيق وتنفيذ فلسلفة الحرب على المخدرات، وهو الحجم الذي ربما كان سيصل حينها إلى تريليونات الدولارات، مقارنة بمئات المليارات حالياً. أضف إلى ذلك الثمن الإنساني الذي كانت ستجبيه حينها هذه التجارة الملعونة، لولا الحرب التي شنت عليها لأكثر من أربعين عاماً.