شهد الأسبوع الماضي دلالات كثيرة مهمة تذكر بأنه كلما بدا أن كثيراً من الأمور تتغير، كلما ظلت كما هي، والتذكير الأول كان من «مجلس الاحتياطي الفيدرالي» (البنك المركزي الأميركي)، عندما أزال كلمة «التحلي بالصبر» من «التوجيه الاسترشادي» وفتح البابا أمام رفع أسعار الفائدة خلال الصيف المقبل، ولكن صاحب ذلك التغيير الكبير «قفزات لغوية» لمواجهة أي ردة فعل سلبية في الأسواق. فعلى سبيل المثال، سارعت جانيت يلين، رئيسة «المركزي الأميركي» إلى توضيح أن إزالة كلمة «التحلي بالصبر» من «التوجيه الإرشادي» لا يعني أن «البنك» سيصبح «نافد الصبر»، وبذلك اطمأنت الأسواق إلى أنه سيظل أفضل أصدقائها، وهو ما أسفر عن مكاسب كبيرة في الأسهم والسندات. وعبر الأطلسي، خاضت اليونان وشركاؤها الأوروبيون جولة أخرى من مناورة مماثلة: فالدولة ودائنوها متفقون على الإصلاحات الاقتصادية التي من شأنها تحرير مليارات اليورو التي تحتاجها أثينا لدفع فواتيرها ووقف هجرة رؤوس الأموال، بيد أن الجانبين يتجادلان بشأن ما تم الاتفاق عليه، وبعد تداول الاتهامات القديمة والجديدة، يستأنفان محادثات المصالحة. ويبدو أن المسؤولين في «المركزي الأميركي» وأوروبا يتبعون سياسة «التسويف» ذاتها، ويؤجلون اتخاذ القرارات الحاسمة. وفي حين لا يبدو ذلك كافياً، لكن الحفاظ على التوازن الحالي يبدو الأفضل بين مجموعة الخيارات غير المثالية. ومن الممكن تفهم حرص «المركزي الأميركي» على التطبيع التدريجي لسياساته غير التقليدية من دون إحداث تذبذب كبير في الأسواق وتراجعاً كبيراً في أسعار الأصول. وإذا تمكن من تقليل الأضرار المصاحبة، فيمكنه بالطبع منح الأنظمة الاقتصادية والمالية والسياسية مزيداً من الوقت للتعديل والإصلاح. ويحرص المسؤولون الأوروبيون أيضاً على إبقاء الأسواق هادئة، بينما يتفاوضون مع اليونان بشأن بنود المساعدات الأخرى. وفي هذه الأثناء، يأمل وزراء المالية والبنك المركزي الأوروبي في تقليص الأخطاء السياسية وحوادث الأسواق التي يمكن أن تعرض اليونان إلى خطر الخروج من نادي «اليورو»، والمشكلة بالنسبة لكل من الاحتياطي الفيدرالي وأوروبا، هي أن شراء الوقت أصبح أكثر صعوبة من حلّ المشكلات بصورة حاسمة، ومن الممكن أن يواجه التأثير المستمر من قبل «المركزي الأميركي» بتحد ناجم عن معركة متكافئة بين أسعار الأصول التي تتحرك صعوداً، بدرجة تتجاوز ما تبرره معطيات التحسن، وتأثير السياسات النقدية التي تشهد تشديداً تدريجياً. وأفضت هاتان القوتان المتعارضتان إلى تأرجح في أسواق المال، وفي غضون ذلك، تقوض الحلقة المفرغة التي تدور فيها أوروبا واليونان مصداقية الحكومات، وتدعم أيضاً ظهور أحزاب غير تقليدية في المنطقة. ولا ينبغي أن يخلط المرء بين الرغبة في الحفاظ على التوازن المؤقت والقدرة على تحقيق نتائج دائمة وإيجابية على صعيد السياسات النقدية والاقتصادية، وفي حين تسعى أوروبا وأميركا إلى الاعتماد على أوضاع أفضل وأكثر استدامة، ننصحهما بأن تتذكرا أن حلولهما الجزئية -على رغم أن الأسواق ترحب بها حتى الآن - تعتمد على مجرد شراء الوقت، ولا تضمن تحقيق النتائج المرجوة. -------- محمد العريان، كبير المستشارين الاقتصاديين في شركة «أليانز» يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»