أرقى مخلوقات الله تعالى في أرضه، هو الإنسان، لكن ألطف خلائقه هي المرأة، هذا المخلوق الجميل والرائع الذي يملأ الأرض عاطفة إنسانية راقية، ويشع جمالاً وأنوثة، ويجعل البيت مودة وسكينة وأنساً، لكن أعظم تجليات المرأة عندما تكون أماً مربية تغرس فينا مشاعر الحب والحنان والرحمة والتسامح. المرأة هي أم الحضارة ولولاها لما انبثقت الحضارة، ومع أن الإنسان مدين بوجوده للأبوين على حد سواء، إلا أن رسولنا الأعظم عليه أفضل الصلاة والسلام خصها بالفضل الأكبر، حينما حث الرجل الذي جاء سائلاً: مَن أحق الناس بحسن صحابتي يارسول الله؟ فقال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أبوك. نعم، الأم هي نبع الحنان ومصدر السعادة وأصل الحب ورمز التضحية والعطاء، لذلك حظيت بمكانة عالية في الإسلام، واختار المجتمع الدولي يوم 21 مارس من كل عام لتكريمها عرفاناً بدورها العظيم في الحياة البشرية، ففي مثل هذا اليوم من كل عام يحتفل العالم بعيد الأم، وتتسابق شعوب العالم للاحتفاء بها، وتجد الأطفال يسارعون لشراء الهدايا لتقديمها إلى أمهاتهم، تعبيراً عن محبتهم وامتنانهم لها. مر عيد الأم على الأمهات، وهن سعيدات مبتهجات بمشاعر التقدير والتكريم، إلا الأم التي مازالت محرومة في بعض الدول العربية من بعض حقوقها الطبيعية، وقد مرّ عليها هذا اليوم وهي حزينة، إذ ترى أولادها محرومين من نقل جنسيتها لهم، فيحرمون بذلك من حقوق إنسانية يتمتع بها أولاد الرجل المواطن، إذ لا تسمح التشريعات العربية للأم بنقل جنسيتها لأولادها ولا لزوجها، وتقصر ذلك على الأب وحده، في مخالفة صريحة لاتفاقية «القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة»! لازالت تشريعات الجنسية العربية والخليجية -وفي عصر سقطت فيه الحواجز بين الجنسين- تفرق بين الأب والأم في حق نقل الجنسية للأولاد. تشريعات دول عربية قليلة تعطي هذا الحق للأم، منها تونس والجزائر والمغرب والعراق، ومؤخراً كرمت دولة الإمارات العربية المتحدة مواطناتها بمنحهن هذا الحق تكريماً وتقديراً لهن، وذلك في اليوم الوطني الـ40 للاتحاد، لتكون دولة الإمارات أول دولة خليجية تنصف مواطناتها وخامس دولة عربية في منح هذا الحق الإنساني الأصيل، أي أن تشريعات خمس دول عربية من بين 22 دولة أعطت هذا الحق للأم العربية وأنصفتها من هذا الإجحاف التشريعي الذي لا مبرر له. المرأة في المجتمعات العربية والخليجية أصبحت شريكة فاعلة في جهود التنمية، وقد وصلت إلى مناصب قيادية في المجالات المجتمعية والتنموية، وحصلت على حقوقها السياسية كاملة، وصارت وزيرة وقاضية ومحامية وسفيرة ورئيسة جامعة.. وتغير المجتمع العربي وأصبح يتقبل عمل المرأة بجانب الرجل، وتطورت التشريعات العربية مواكبةً التغيرات السياسية والاجتماعية والدولية، لكن تشريعاً واحداً استعصى على التغيير وتحصن بالتقاليد القائمة على «أفضلية الرجل على المرأة»، هو تشريع الجنسية. إن معظم التشريعات العربية مصممة على عدم منح الأم العربية حق نقل الجنسية لأولادها وتقصرها على الأب وحده، إلا في حالات استثنائية، مثل كون الأب مجهول الجنسية أو عديمها أو منكراً للبنوة، أو طلق الأم طلاقاً بائناً أو توفي.. فقط في هذه الحالات تعترف قوانين الجنسية العربية بتبعية الأطفال لأمهم المواطنة، أي أن على الأولاد- قبل بلوغهم الـ18- أن يتيتموا أو ينفصل والداهم، حتى يتساووا بالمولودين خارج مؤسسة الزواج! وإذ لا أمل في تغيير تشريعات الجنسية العربية في الأجل القريب، فلماذا لا يتم إنصاف الأم في منطقة الخليج، وهي أكبر منطقة منفتحة؟ إن «تجنيس أبناء المواطنة» له مبررات عديدة، أهمها «الضرورة الأمنية الوطنية والخليجية»، فالخليجيون اليوم «أقلية» تتناقص نسبتها في محيط وافد يتزايد باستمرار، وهؤلاء الأبناء الذين ولدوا على هذه الأرض المعطاءة وتربوا فيها وتشربوا الانتماء والولاء من أمهم، لا يوجد أعز منهم وأكرم بالتجنيس؟ إنهم الرافد الأثمن والأسلم في تحصين الجبهة الداخلية وفي تصحيح الخلل السكاني.