تقاطع شبح الشلل السياسي في الحاضر مع شبح الشلل السياسي في المستقبل داخل أروقة واشنطن خلال الأسبوع الماضي. وينذر ذلك بأزمة يندى لها الجبين. فأصاب الشلل السياسي الحاضر مجلس «الشيوخ»، حين اختلف المشرعون وانقسموا في حرب حزبية بشأن مشروع قانون خاص بمكافحة تهريب البشر، على الرغم من أن معظمهم يؤيد ذلك التشريع. وكفى بذلك مخيفاً. بيد أن طيف حالة من الجمود المستقبلي، يخيم على مشهد لا يحظى بكثير من الاهتمام على عتبات الكونجرس، بدا مخيفاً بدرجة أكبر. ذلك أنه ـ في الكونجرس ـ أصبح واضحاً يوم الأربعاء الماضي أن أصحاب أيديولوجية «عدم الرضوخ إلى حلول الوسط» يتجهون للسيطرة على الحزب «الديمقراطي»، كما زادت هيمنتهم منذ سنوات بين «الجمهوريين». وها هو «جروفر نوركويست»، الناشط «الجمهوري المناهض لفرض مزيد من الضرائب، يلتقي في الرأي مع منظمة «سوشيال سيكيورتي ووركس» التي تدعو للحفاظ على الضمان الاجتماعي، الأمر الذي يتطلب زيادة الضرائب! وكانت نقطة الالتقاء هي النائب «الديمقراطي» كريس «فان هولين»، الذي يخوض المنافسة «التمهيدية» في الحزب ليحل محل عضو مجلس الشيوخ المتقاعدة عن ولاية ماريلاند ورئيسة لجنة المخصصات في المجلس “باربرا ميكولسكي”. و«فان هولين» ليبرالي بكل المقاييس. بل إنه من بين أبرز مساعدي زعيمة الأقلية بمجلس النواب “نانسي بيلوسي”، وربما يكون خبير الموازنة الفيدرالية الأكثر ذكاء في مؤتمر الحزب الديمقراطي. ولم يؤيد أبداً إجراء أي تخفيضات في الضمان الاجتماعي. ولكن «فان هولين» وصف قبل بضعة أعوام الصفقة الكبرى التي توصلت إليها لجنة «سيمبسون باولز» للإنقاذ المالي بأنها «إطار عمل جيد»، وبالطبع، لم يكن «هولين» مؤمناً بتفاصيلها، ولكنه كان يدرك أن أي صفقة لإنقاذ الوضع المالي في الدولة تعتمد على قبول “الديمقراطيين” إصلاحات تقضي بخفض في برامج الرعاية الصحية في مقابل موافقة “الجمهوريين” على زيادة الإيرادات الضريبية. ولم يكن ذلك المفهوم مثيراً للجدل بصورة نسبية آنذاك، ووافق عليه أوباما أيضاً، على الرغم من أنه رفض قبول تفاصيله، ولا يزال الأمر كذلك في الوقت الراهن. ولكن بالنسبة لمن هم على شاكلة «نوركويست» ممن يعارضون زيادة الضرائب في الحزب “الديمقراطي”، تعتبر أية إشارة إلى رغبة مبدئية في دراسة إدخال إصلاحات على نظام الرعاية الصحية أو الضمان الاجتماعي، هرطقة غير مقبولة، بغض النظر عن الوقائع الحسابية لمجتمع يزيد فيه تعداد كبار السن. وهكذا كان «فان هولين» الأسبوع الماضي في مؤتمر صحفي يؤيد مشروع قانون قدمه النائب “الديمقراطي" «جون لارسون»، لا ينقذ الضمان الاجتماعي فحسب، ولكن يزيده إلى أكثر من 3.1 تريليون دولار خلال الأعوام الـ 75 المقبلة. والضمان الاجتماعي برنامج ضروري وناجح، أنقذ ولا يزال ينقذ ملايين من كبار السن الأميركيين من براثن الفقر، ولا يمكن أن يكون بحال من الأحوال تبذيراً، ومن ثم لابد من حماية معاش التقاعد الشهري الذي يقدر متوسطه بـ 1.300 دولار. غير أن هذه المعاشات التقاعدية تدفع من الضرائب التي يُسددها الموظفون الأميركيون، والذين كانت نسبتهم أكثر من خمسة موظفين مقابل كل مستفيد من المعاش في عام 1960، بينما أصبحوا الآن أقل من ثلاثة موظفين مقابل كل متقاعد مستفيد. ومن المرجح أن تصل النسبة إلى اثنين لكل واحد في عام 2030. ومن الممكن أن نعيد تشكيل هذه الإحصاءات الديموغرافية، مع وضع سياسات هجرة أكثر ذكاء، وإذا توصلنا إلى طريقة تجعل الاقتصاد ينمو بسرعة أكبر، يمكننا زيادة حجم الكعكة التي يأكل منها الجميع. ولكن الحقيقة التي لا تتغير بمرور الوقت هي أن شريحة متزايدة من الكعكة تخصص إلى تكاليف معاشات التقاعد والرعاية الصحية لكبار السن. والطريقة المثلى في مواجهة ذلك، هو زيادة الضرائب بما يكفي لحماية امتيازات التقاعد من الضمان الاجتماعي للفقراء والطبقة المتوسطة، على أن يتم تقليص العبء عن الطبقة العاملة من الأميركيين بقدر الإمكان، بينما تتم إعادة توجيه بعض الأموال من المستفيدين الأكثر ثراء ودافعي الضرائب إلى البرامج التي يعتمد عليها الشباب. ومن مميزات مشروع قانون «لارسون» أنه سيزيد الضرائب على الجميع، لا سيما الأثرياء، لكنه في الوقت ذاته سيزيد الامتيازات بشكل كبير للجميع أيضاً، بغض النظر عن الدخل. بيد أن مشروع القانون لن يكون تقدمياً أكثر من كون أيديولوجية خفض الضرائب محافظة إذا انتهى به المآل في أدراج الجامعات الحكومية. يُنشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»