الأسبوع الماضي، شهد ملتقى سفراء الإمارات التاسع. وهذا الملتقى هو بمثابة آلية سنوية لمناقشة كل ما يتعلق بالسياسة الخارجية لدولة الإمارات، أو هكذا أعتقد. والهدف منه هو تعزيز نقاط القوة في هذه السياسة، وكذلك تقديم اقتراحات في الجوانب التي ينبغي التطوير فيها، كي نصل في النهاية إلى أداء دبلوماسي يليق بالمكانة التي وصلت إليها دولة الإمارات العربية المتحدة بين دول العالم. وفي البداية، هناك اتفاق عام بين دارسي العلاقات الدولية أن «السياق العام الدولي» قد تغير منذ عام 2011، أي بعد فترة ما يسمى بـ«الربيع العربي». وهناك مظاهر نشهدها تؤكد أن هناك تحولات في السياسات الدولية، بعضها أشد عمقاً وأكثر شمولا. وبالتالي فإن مجاراة تلك التغيرات تتطلب النقاش المستمر بين ممثلي الدول في العالم، وذلك من خلال ما تتم ملاحظته من تغيرات خاصة في عواصم صنع القرار، مثل واشنطن وموسكو ولندن وباريس.. لذلك ربما جاء محور العلاقات الأوروبية ــ الإماراتية محوراً رئيسياً في هذا الملتقى. أما على المستوى الإقليمي فإن التغيرات الحاصلة في السياسة الخارجية، لإيران بصفة خاصة، تتغير بأسرع مما كان متوقعاً، بل في نظر البعض أن التغيير في السياسة الخارجية الإيرانية مس الأساس الأيديولوجي لثورة الخميني. هذا طبعاً مع المقارنة بالتغيرات الحاصلة في السياسة الخارجية للدول الإقليمية الأخرى، والتي هي الأخرى تتغير، لكن ليس إيجاباً كما هو الحال بالنسبة لتركيا تحت حكومة حزب «العدالة والتنمية»، إذ نجد أنها اليوم ليست سياسة «صفر مشاكل». في عالم السياسة اليوم، هناك دول تعيد تقييم ثوابتها السياسية بل وتعيد تعريف مصالحها القومية وأدوارها ومسئولياتها العالمية، وذلك استعداداً لنظام دولي جديد ربما يكون مختلفاً عما نعرفه بالكامل، ومن هذه الدول الهند والصين مثلا. ويمكن رصد شواهد ومعلومات واضحة، على أن معظم دول العالم أقدمت مؤخراً على مراجعة وتعديل سياساتها الخارجية. وبالتالي فإن النقاشات أو المراجعات في ظل هكذا ظروف، مسألة مهمة وضرورية بالنسبة للدول الساعية للإسهام بحضور دولي مؤثر. وإذا كانت القناعات الوطنية هي المرشد الأول لرسم السياسات في الدول، فإن ملتقى السفراء الإماراتيين هي مناسبة سنوية للاطلاع على نشاط الدبلوماسية الإماراتية خلال عام كامل وطرح التصورات المناسبة التي تتوافق مع التغيرات الحاصلة في دول العالم. الفكرة أن من يتابع الإشارات السياسية التي تحدث في إقليمنا ويرقب التغيرات الاستراتيجية الجارية بين القوى الدولية والإقليمية، يدرك ويفهم مدى الحاجة لمثل هذه اللقاءات في مكان واحد لتبادل الأفكار، كما يدرك أهمية التفاعل والتشاور بين مختلف القطاعات ذات العلاقة مع الدبلوماسية، مثل الإعلام، لذا كانت ثمة مشاركة إعلامية في هذا الملتقى. كما يدرك عمق التغيير الحاصل في الدبلوماسية الإماراتية خلال الفترة الأخيرة، والذي استطاعت من خلاله أن تحصل على العديد من الاستحقاقات الدولية، مثل استضافة الوكالة الدولية للطاقة المتجددة «إيرينا» في أبوظبي، وكذلك حجم النشاط في العديد من القضايا الإقليمية والدولية، كنتيجة لإدراك مسئوليتها الخارجية تجاه العالم. وانطلاقاً من هذه الزاوية، فإن نجاح أي دبلوماسية في العالم مرتبط بوجود رسالة إلى العالم، أو على الأقل للإقليم الذي تنتمي إليه الدولة ذات الصلة. وبالنظر إلى الدبلوماسية الإماراتية نجد أنه بات لها تأثير في إقليمها الخليجي والعربي، بل وفي العديد من قضايا العالم. والسبب أن رسالتها للعالم واضحة: وهي النهوض التنموي لدول العالم، وتحقيق الاستقرار والسلم الدوليين بالتعاون مع المجتمع الدولي. الإمارات تجني اليوم ثمار رسالتها للعالم، فمن جانب هي مثيرة للإعجاب في مشاريعها التنموية، ومن جانب آخر فهي تلقى رضا أغلب الدول الساعية لتحقيق الاستقرار، بل إنها باتت محطة أساسية في صناعة القرار السياسي الإقليمي ومرجعية للسياسيين في العالم فيما يخص قضايا المنطقة. ما أريد قوله هنا هو نقطتان: الأولى أن استمرار أجواء اللقاءات السنوية يتيح فرصة للتفكير المرتب والعميق حول ضرورة تعزيز المكاسب التي حققتها الإمارات. فدور سفارات الإمارات في الخارج لم يعد مجرد تمثيل الدولة بقدر ما هو الواجهة التي يطل من خلالها العالم على تراثها وتقاليدها وثقافتها ضمن ما يعرف بالدبلوماسية العامة. النقطة الثانية هي أن الإمارات اليوم تشكل الركن الأساسي في الجهود الدولية المبذولة لمحاربة الإرهاب وتحقيق متطلبات التنمية في العالم وهذا ينبغي التشاور المستمر.