في الوقت الذي تمضي فيه المفاوضات بين إيران والقوى الكبرى قدماً، يبدو أن وزير الخارجية، جون كيري، متشبث بمقولة أساسية في الدفاع عن الاتفاق: وهي أن شروط الاتفاق ستبقى إيران بعيدة على الأقل بسنة عن امتلاك قنبلة نووية، ما يعطي العالم وقتاً كافياً للتعامل مع أي انتهاكات محتملة، هذه المقولة الغرض منها إشاعة جو من الطمأنينة، لا سيما بعد تقديم أميركا لتنازلات فيما يتعلق بحجم التخصيب الذي يبدو أنه معتبر، والموافقة على بند انتهاء صلاحية الاتفاق الذي يفسح لإيران مجال التصرف كما تريد، لكن أي تقييم دقيق ومتأنٍ للمبرر الذي يسوقه كيري يكشف أن مهلة السنة قد لا تكون كافية لرصد الخروقات الإيرانية وتغيير مسارها، فما أن ترصد أميركا مؤشرات على انتهاك إيران لبنود الاتفاق حتى تنطلق عملية طويلة من الإجراءات البيروقراطية للتحقق من المعلومة، وقد يستغرق الوقت شهوراً قبل أن يتأكد مدير الاستخبارات الوطنية من وجود الانتهاكات للدفع بقضية متكاملة الأركان إلى الرئيس للتحرك، كما أن العديد من وكالات الاستخبارات الأميركية، ووزارة الطاقة، وأيضاً المختبرات النووية الوطنية ستحتاج إلى وقت للتحقق من البيانات المتاحة حتى تصل في النهاية إلى قناعة بأن الخرق حصل فعلا، وفقط بعد انتهاء هذا التقييم المنهجي، يمكن لمدير الاستخبارات الوطنية التوجه للبيت الأبيض بخلاصات واضحة وتوصيات مفيدة. وبالنظر إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية هي المسؤولة عن عمليات التفتيش الميداني، وأيضاً عن التحقق من الالتزام ببنود الاتفاق، سيكون على الولايات المتحدة توجيه أي خرق ترصده إلى مفتشيها، وبالطبع ستعتمد سرعة ومدى اقتسام أميركا لمعلوماتها مع الوكالة على هاجس حماية مصادرها، وفقط بعد تبلغ الوكالة الدولية للمعلومات يمكنها البدء في الحديث مع إيران حول فتح قنوات جديدة لتفتيش والتحقق من أنشطتها النووية، وبحسب ما يعلمنا التاريخ سينخرط الإيرانيون في مفاوضات مطولة وعسيرة، وسيشككون في صحة المعلومات والأدلة، ولن تعلن الوكالة الدولية عدم رضاها عن مستوى التعاون الإيراني إلا بعد بعد مفاوضات شاقة مع النظام، وهي عملية قد تمتد على مدى شهور طويلة. وما أن تجزم الوكالة الدولية للطاقة الذرية بوجود انتهاك للاتفاق النووي حتى ترفعه إلى مجلس الأمن الدولي للبت فيه، بحيث سيكون على الولايات المتحدة إقناع باقي الدول الأعضاء المعنية بالاتفاق، بما فيها تلك التي تملك حق «الفيتو» مثل روسيا والصين، أن الاتفاق تم خرقه وأنه لابد من التحرك، ولنا أن نتخيل الوقت الذي ستستغرقه عملية تبادل الآراء المتباينة والحاجة إلى التوافق على بينان ختامي قبل المرور إلى فرض عقوبات اقتصادية على إيران، ما يعني شهوراً إضافية من التعطيل. لكن ما هو تأثير هذه العقوبات في حال كان لها أي تأثير فعلاً على إيران في حين أن مدة اكتساب السلاح ليست أكثر من سنة؟ فلا شك أنه حتى تؤتي أي عقوبات أكلها ستتطلب وقتاً طويلا، لا سيما في أعقاب الاتفاق الذي مهد الطريق لعودة التجارة والاستثمارات، ومع أن أميركا قد لا تضطر للانتظار كل هذا الوقت، وربما تلجأ إلى القوة حتى دون ترخيص الأمم المتحدة، إلا أنه ومنذ ظهور الأسلحة النووية سعت واشنطن دائماً للتفاوض مع خصومها لنزع السلاح، ولم تلجأ قط لاستخدام القوة، يضاف إلى ذلك أن إيران لن تقوم بانتهاك الاتفاق جملة، بل ستعمد إلى ذلك بالتدريج دون إثارة انتباه، أو غضب المجتمع الدولي، بحيث في النهاية قد لا تكون مهلة سنة واحدة كافية لبناء التوافق الدولي وحشده التأييد لخطوات موحدة للتصدي للانتهاكات الإيرانية. وبصرف النظر عن النقاش الجاري حالياً في واشنطن حول الاتفاق النووي مع إيران، فإن ما يتم غالباً إغفاله في خضم الأصوات المتباينة، هو أن التوقيع على اتفاق نووي مع إيران سيكون أهم معاهدة للحد من الأسلحة بعد الحرب العالمية الثانية لما لها من آثار مهمة على الاستقرار في الشرق الأوسط ومعايير عدم الانتشار النووي، لذا وبالنظر إلى هذه الرهانات الكبرى نحتاج في الولايات المتحدة لفتح نقاش وطني حول طبيعة وحدود أي اتفاق محتمل، على أن يجري هذا النقاش ضمن حيزه الطبيعي داخل أروقة الكونجرس، بحيث لا يمكن التعامل مع أي اتفاق على أنه صالح وقابل للاستمرار دون موافقة السلطة التشريعية. مايكل هايدن وأولي هينوني وراي تقية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»