لن ننتظر طويلًا حتى نعرف ما إذا كان «الجمهوريون» في الكونجرس وبعض مرشحيهم المحتملين لرئاسيات 2016 جادين فعلاً فيما يتعلق بمواقفهم الصارمة حول السياسة الخارجية، أم أن الأمر مجرد مناورات كلامية، فبعد سنوات من مداعبتهم لفكرة الانعزالية السياسية ومعارضة التدخل الأميركي في الخارج التي دافع عنها السيناتور «راند بول»، يبدو أن أغلب قيادي الحزب غيروا اليوم مواقفهم وصاروا ينتقدون أوباما لتقصيره في محاربة «داعش» وعدم قيامه بما يكفي للدفاع عن أوكرانيا، فيما يسعى إلى توقيع اتفاق نووي مع إيران يعتبره «الجمهوريون» سيئاً، وفي كل هذه القضايا كانوا يستجيبون لحساسية متنامية لدى الرأي العام الذي قد يكون شرع في التخلص ولو بحذر وبطء عن نفوره من التدخل الخارجي، لا سيما عندما يتعلق الأمر بمحاربة الإرهاب، لكن لحد الآن لم يجاوز هذه الانتقادات «الجمهورية» لأوباما ودعم سياسة خارجية أكثر حزماً، حد الخطاب مع استثناءات قليلة. فـ«الجمهوريون» لم يحددوا بوضوح ما الذي سيقومون به على نحو مختلف عن إدارة أوباما، كما أنهم لم يتحدثوا كثيراً عن الكلفة المرتبة على مقاربة بديلة، لذا يتساءل الملاحظ ما إذا كانت اللهجة «الجمهورية» الجديدة قائمة على قناعة حقيقية حول طبيعة الأخطار المحدقة بالعالم والدور الأميركي الضروري للتصدي لها، أم أن الأمر كله، وبخاصة الدعوات المستجدة لسياسة خارجية أكثرة قوة، لاتعدو محاولة لمنافسة «الديمقراطيين» في الانتخابات الرئاسية المقررة في 2016، لكن يمكن بسهولة كشف نوايا «الجمهوريين» ومعرفة مدى جديتهم، فالكونجرس حالياً منهمك في مناقشة الموازنة الفيدرالية التي جزء منها مخصص للدفاع، وحتى وقت قريب ساندت القيادة «الجمهورية» في مجلس الكونجرس الإبقاء على الإنفاق في حدود «الاقتطاعات التلقائية»، التي دخلت حيز التنفيذ قبل مدة بعدما فشل الكونجرس والبيت الأبيض في التوصل إلى موازنة متفق عليها، وهي اقتطاعات تحول دون إضافة مخصصات جديدة لموازنة الدفاع التي تعتبر ضرورية من أجل سياسة خارجية أقوى. ولتفادي النقص في موازنة الدفاع لجأت لجنة المخصصات في الكونجرس إلى الاستعانة بتمويل الطوارئ خلال السنة الجارية والسنوات المقبلة. والمفارقة أن أوباما الذي يتعرض لانتقادات من «الجمهوريين» في السياسة الخارجية كان هو من اقترح رفع موازنة الدفاع إلى 561 مليار دولار، وقد وافقه في مطلبه رئيس هيئة أركان الجيوش الأميركية، مارتن ديمبسي، قائلا عن اقتراح الرئيس أنه «ما نحتاجه للحفاظ على الحد الأدنى من إدارة المخاطر لأمننا القومي»، وبعبارة أخرى، رغم أن طلب الرئيس الرفع من موازنة الدفاع ليس كافياً تماماً، إلا أنه يبقى في جميع الأحوال أفضل من إصرار «الجمهوريين» على العمل بنظام الاقتطاعات التلقائية، هذه الاقتطاعات دعت هيئة الدفاع الوطني السنة الماضية التي تمثل الحزبين معاً وتضم في صفوفها وزير الدفاع السابق، «ويليام بيري»، وقائد القيادة المركزية الجنرال «جون أبي زيد»، إلى إلغائها تماماً والرجوع في الحدود الدنيا إلى الموازنة التي اقترحها وزير الدفاع السابق، روبرت جيتس، في 2012 والمقدر قيمتها بحوالي 640 مليار دولار حتى العام 2016. والحقيقة أن هذه الصعوبات التي تلاقيها عملية رفع موازنة الدفاع في الكونجرس تقول الكثير عن «الجمهوريين»، وتؤكد نفاقهم الواضح، فقد يكون «الجمهوريون» الأعلى صوتاً والأكثر صخباً في اتهام أوباما بإضعاف أمن البلاد، لكن عندما يتعلق الأمر بتسديد فاتورة السياسة الخارجية ودفع ما يلزم لتبني تمويل التدخلات الأميركية التي يطالبون بها فإنهم يبلعون ألسنتهم. روبرت كاجان، باحث بارز في مؤسسة «بروكينجز» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»