من التحديات التي تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة، العجز المائي الحاد، والناجم عن قلة الموارد المائية المتزامن مع الطلب المتزايد للمياه في الدولة، هذا الوضع الناشئ من الطبيعة الجغرافية والظروف المناخية للدولة، إذ تقع الإمارات ضمن المناطق الجافة التي تعاني شح سقوط الأمطار مع ارتفاع درجة الحرارة، فضلاً عن انعدام مصادر المياه العذبة السطحية، في الوقت نفسه تشهد الإمارات نمواً سكانياً متواصلاً نتيجة للازدهار والنمو الاقتصادي وعمليات التنمية المستدامة بالدولة، وهو الوضع الذي ولّد ضغطاً على موارد المياه الشحيحة في الدولة، ولاسيما مع تلازمه بارتفاع استهلاك المياه في الدولة، الذي يفوق المعدل العالمي بنحو 82%، إذ يتجاوز استهلاك الفرد في الإمارات الـ500 ليتر من المياه يومياً، وكان مؤتمر «التغيرات المناخية ومستقبل المياه»، الذي سبق أن نظمه مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، قد حذر من أن الإمارات ستستنفد ما لديها من مياه في غضون الـ50 عاماً المقبلة. نتيجة لهذا الوضع المقلق، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة، وضعت جلّ اهتمامها لإيجاد حل لهذه الإشكالية التي تتفاقم بشكل مستمر، إذ تدرك الدولة مدى خطورتها، ولاسيما أن استفحال هذا الوضع لن ينعكس سلبياً على الجهود المبذولة لتحقيق الأمن الغذائي للإمارات فقط، بل سيشمل الجهود التنموية في الدولة أيضاً بمختلف قطاعاتها. وما تحمله هذه الإشكالية من الأهمية عبّر عنها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، عندما أكد سموه في إحدى الندوات التي عقدت تحت عنوان «المياه العذبة في العالم: السعي نحو مستقبل مستدام»، أن المياه تشكل أهمية كبرى تفوق أهمية النفط بالنسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، كما شخَّص سموه طبيعة المشكلة وجدوى آليات حلها، عبر تنبيه سموه إلى ضرورة عدم الاقتصار على خيار تحلية المياه كوسيلة لسد نقص المياه، وأنه لابد من الاعتماد على الخيار العلمي والابتكار من خلال إجراء الدراسات والبحوث الكفيلة بتوفير سبل إيجاد مصادر مياه متجددة وحفظها للأجيال القادمة. وفي سبيل الوصول إلى حلول مستدامة، فإن دولة الإمارات العربية المتحدة، سعت إلى تحفيز المجتمع بجميع عناصره، أفراداً ومؤسسات، على إيجاد الحلول الابتكارية وتبنّي استخدام التكنولوجيا الحديثة كركيزة أساسية في الاستراتيجية الوطنية لسد نقص المياه وإيجاد مصادر جديدة لها، بما يؤول إلى تحقيق أمن المياه في الدولة، إذ تعزز «جائزة الإمارات لترشيد استهلاك الماء والكهرباء» على سبيل المثال، فهذا التوجه، إضافة إلى ما يمثله من توعية لأفراد المجتمع بمخاطر هدر المياه، ويرسخ ثقافة ترشيد استهلاك المياه في الحياة اليومية للفرد، سينعكس بالضرورة على ضمان الحفاظ على موارد المياه للأجيال المقبلة. وتجسيداً للسياسة الإماراتية الرامية إلى تعزيز الوصول إلى مصادر مياه وطاقة آمنة ونظيفة ومستدامة للأجيال الحالية والقادمة، فإن دولة الإمارات العربية اتجهت إلى البحث عن حلول مبتكرة لضمان تأمين آلية منخفضة التكاليف لإيجاد المياه وتوفيرها، مع الأخذ بعين الاعتبار ضمان عدم استنزاف مصادر المياه القليلة، من دون هدر للطاقة من قبل محطة غليلة لتحلية مياه البحر، التي تعد من أكبر مشاريع تحلية المياه في الدولة، والتي روعي خلال إنشائها اعتماد تقنيات حديثة لتدوير استخدام الطاقة الكهربائية لتوفير الطاقة المستخدمة في التحلية، إذ تستهلك المحطات التي تم إنشاؤها في السابق 8,3 كيلوواط لإنتاج المتر المكعب من المياه المحلاة، فيما تستهلك محطة غليلة 2,95 كيلوواط من الكهرباء لإنتاج الكمية نفسها من المياه. هذا علاوة على توفير 8 ملايين درهم سنوياً نتيجة للتقنية المستخدمة لتوفير الطاقة الكهربائية.