ليس ثمة أسهل من الحديث عن مطلب السعادة كحق إنساني، التي تحولت مع تعقيدات الزمن المعاصر إلى حلم صعب بعيد المنال بالنسبة لكثير من شعوب الأرض. وفي خضم الأحداث الكئيبة وبركة الدم القادم من سوريا، والتي تجعل القلب مقطعاً لأشلاء تشبه أشلاء الأطفال المقتولين غدراً بالبراميل بشكل يومي، تصير الأحداث التي يمر بها العالم أحداثاً بلا طعم غير طعم المرارة، وغير منطق صعب يمكن وصفه بأنه منطق اللا حياة واللا تفسير. فلا تفسير يبسّط مفعول تأثير رؤية كل هؤلاء القتلى المدنيين العزل من نساء وأطفال، ولماذا يموت الأبرياء، ويبقى المجرمون أصحاب الأيادي المغموسة في دم البراءة! وفي الفلسفة والأخلاق، كانت تفسيرات الحق في الحياة والسعادة هي شغل الفلاسفة الشاغل، وهل السعادة سهلة أم يصعب الوصول إليها؟ وقد اختلفت تفسيراتهم لمعناها ومعطياتها، ولكنها ظلت المطلب الأهم والأصعب في حياة البشر، كل البشر دون أي استثناء. ولأنها صعبة قد تجد من يفسرها حسب رغباته واهتماماته، فالسعادة قد تكون نسبية، ولكنها مطلب موحد وهدف حقيقي يسعى إليه الناس في كل وقت وكل حين، ومع شروق شمس كل نهار يوم جديد. وهذا السعي الحثيث ينشد حقيقة الحياة السهلة الملأى بالكرامة والحرية، فقد كانت الحرية محط نضال حثيث من قبل شعوب ذاقت ويلات الخضوع والهزائم، وهو في الحقيقة ما جعل السعادة تسير جنباً إلى جنب مع الحرية، فالحرية التي سعى لأجلها كثيرون على مر التاريخ كانت هي المحك الحقيقي في مفهوم السعادة ومعطياته، من وجهة نظر العديد من الفلاسفة. وفاقد الحاجة ليس بالشخص السعيد وليس بالإنسان القادر على اجتراح سعادته ما دام هناك من يملك قُوته وروحه ويملي عليه مشاويره اليومية وربما طعامه. والإنسان اليوم هو رهين مصادر إرواء حاجة حديثة هيأت له حياة سهلة، ولكنه أيضاً لا يستطيع التخلص من أسوارها، فنحن في الزمن المعاصر بتنا أسرى التكنولوجيا وبطاقات الائتمان والهواتف النقالة وشروط العمل والسفر والمرض فماذا تبقى إذن من حرية، بالمعنى والتعريف البسيط لمفهوم الحرية؟ وحتى الأفكار التي قد نتوارثها ونحولها إلى بديهيات نسلّم بها تحولت إلى إسار كبير ربما قتل كل مجالات الإبداع والخروج من ضيق المعنى إلى اتساع المعرفة الإنسانية وسماواتها الحرة الجميلة. ما أصعب الحرية وأصعب السعادة، وما أشهى البحث عنها والسعي لأجلها فلا شيء مثل السعادة القائمة على حرية مسؤولة بلا عبثية أو أوهام.