-------------------- التحديات لن تمنع أفغانستان من الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية واحترام سيادة القانون ------------------------ بعد أن اخترنا في أول انتقال سلمي وديمقراطي للسلطة تشهده أفغانستان، الوحدة على الانقسام، نقوم حالياً بزيارة الولايات المتحدة الأميركية لتعميق أواصر التعاون بين بلدينا. فمن خلال الدعم الأميركي يستطيع الشعب الأفغاني المكافح إعادة بناء بلده والدفع باقتصاده نحو الأمام، والتصدي للإرهاب. والحقيقة أن أفغانستان التي يمثل موقعها الاستراتيجي في قلب آسيا نقمة ونعمة في نفس الآن، شهدت على امتداد تاريخها ما يكفي من العنف الأهوج، حيث لقي أكثر من مليون أفغاني حتفهم، فيما اضطر 30 مليون أفغاني للفرار نحو المنافي خلال الصراع المرير مع القوات السوفييتية الغازية في ثمانينيات القرن الماضي، ثم جاءت بعدها القوى الإقليمية التي وضعت يدها في الشؤون الداخلية لأفغانستان، مستغلةً الانقسامات المجتمعية والصراعات بين الفصائل المختلفة، الأمر الذي نتج عنه فراغ في السلطة سارعت إلى ملئه «طالبان» التي بدورها أتت بعهد كامل من القمع، بل واستضافت الإرهابيين. وبسبب هذا الوضع الخطير، انضمت أفغانستان على مدار العقد الماضي إلى الولايات المتحدة وباقي الدول في محاربة «القاعدة» والشبكات الإرهابية الأخرى المرتبطة بها، لتغدو أفغانستان اليوم جدار الصد الشرقي ضد زحف «داعش» وفظاعاتها. لكن أفغانستان لا تطلب من أميركا القيام بمهامها نيابة عنها، بل نحن ممتنون للشعب الأميركي ونتذكر جيداً جنوده الذين سقطوا وهم يدافعون عن الحرية والكرامة بعد مأساة 11 سبتمبر 2001، ويبقى هدفنا الأساسي هو الاعتماد على النفس، فقد أوفينا في 13 ديسمبر الماضي بالتعهد الذي قطعناه لشعبنا وتجاه أميركا و«الناتو» بتحمل المسؤولية الأمنية. وكان الجنرال جون كامبيل، قائد قوات التحالف في أفغانستان، قد أدلى بشهادته لمصلحة احترافية القوات المسلحة الأفغانية ومعنوياتها العالية، كما أن استمرار الشراكة الأمنية بين البلدين، والتي تشمل التدريب وتقديم المشورة من الولايات المتحدة، ستضمن أننا سنظل حلفاء أساسيين لأميركا لعقود قادمة، غير أن هذه الشراكة لا تقف عند ضمان الأمن المتبادل، فالأفغان يستفيدون من المدارس العديدة التي أقيمت بمساعدة أميركية والتي يدرس فيها أكثر من 3 ملايين طفل، هذا بالإضافة إلى المستشفيات التي أنقذت حياة عشرات الآلاف من النساء. ومع السلام ستأتي التنمية التي ستتيح للأفغان الاستفادة من تجربة أميركا في دعم الأعمال، لذا تظل أولويتنا الأولى لإنجاح الرهان الاقتصادي ومحاربة الفساد ووضع حد لهدر الموارد وسوء الإدارة. وفي هذا الصدد تمكن الإشارة إلى عملية التقييم المشددة التي يخضع لها اختيار حكام المحافظات والمسؤولين الحكوميين، فضلا عن إنشاء وكالة وطنية للإشراف على الصفقات العمومية لضمان شفافيتها. وفيما يؤمن الأفغان إيماناً راسخاً بالمبادرة الفردية، تبقى مظاهر الظلم، سواء في شقها القانوني أو الاجتماعي، منتشرة على نطاق واسع، ما يعني أنه يتعين علينا مراجعة نظامنا القانوني وإعادة هيكلته، وإعادة النظر في طريقة تعيين المدعين العامين والقضاة، لاستئصال الفساد واستبعاد المسؤولين المتورطين فيه. ولأن الاستقرار السياسي يقوم على نمو اقتصادي صلب ومتين، فلابد من إيلائه العناية القصوى، لكن للأسف ظلت أفغانستان لأكثر من 40 عاماً ترزح تحت الصراع السياسي والحكامة السيئة وسوء الإدارة الاقتصادية، الأمر الذي أثر سلباً على النمو الاقتصادي وأعاق تقدمه، ما جعلنا نعتمد كلياً على المساعدات الخارجية. ومع أننا حريصون على تطوير اقتصادنا بقدراتنا الذاتية ومواردنا الخاصة، فإنه لا يمكننا القيام بذلك لوحدنا، فعلى غرار حاجتنا لأميركا من أجل محاربة الإرهاب والتصدي له، نحن أيضاً بحاجة إليها لإعادة بناء اقتصادنا. لكن في الوقت الذي تتعاظم فيه فرص وإمكانات النجاح الاقتصادي بأفغانستان، تستمر الأخطار والتهديدات الأمنية المحدقة، فحركات التمرد المحلية، بالإضافة إلى شبكات الدعم الخارجية، تحولت إلى تحديات هائلة أمام الدول والحكومات، وقد رأينا كيف انتعش الإرهاب في أجزاء من الشرق الأوسط، وكيف أدت محاربة الحكومة الباكستانية للإرهاب إلى هروب العديد من عناصره إلى أفغانستان، مستفيدين من شبكات تهريب المخدرات التي تقدم السلاح والمال لتجنيد عناصر جديدة من مختلف مناطق العالم. بيد أن هذه التحديات لن تمنع أفغانستان من الالتزام بالمعاهدات والمواثيق الدولية واحترام سيادة القانون، بحيث ستنضم الحكومة إلى ترتيبات التجارة الحرة التي تؤسس لمستقبل مزدهر اقتصادياً قائم على الاستقرار السياسي والأمني. ـ ـ ــ ـ ــ ـ ــ ـ أشرف غني رئيس أفغانستان ـ ـ ــ ـ ــ ـ ـ ـ ــ ـ ـ عبدالله عبدالله رئيس السلطة التنفيذية ----- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»