قبيل الانتخابات الإسرائيلية التي عقدت في السابع عشر من مارس الجاري، أفاق نتنياهو من سكرته، ملقياً بالحذر وراء ظهره، ومطلقاً إشارات تحذير سافرة لإخافة الناخبين كي يعيدوه إلى السلطة. وفعل ذلك غير مكترث بمن ينحازون له أو بالتبعات التي قد يتمخض عنها سلوكه. ولطالما زعمت أنه في مملكة الغابة ليس هناك مخلوق أخطر من سياسي مثير للذعر، وخلال الأيام القليلة الماضية، كان نتنياهو واحداً من هؤلاء. وقبل التصويت بيوم واحد، أجرى نتنياهو سلسلة من المقابلات الصحفية مع وسائل إعلامية صديقة تفتئت على الموضوعات التي تثير مخاوف الإسرائيليين: الفلسطينيون و«المؤامرات الخارجية»، والمواطنين العرب داخل إسرائيل. وزعم مثلا أنه لو انتصر خصومه فإنهم سيستجيبون لضغوط المجتمع الدولي لإنشاء دولة «حمساوية» في القدس. وفي مقابلة أخرى، زعم أن «أي شخص يتحرك نحو إقامة دولة فلسطينية، وإخلاء الأراضي، فسيتخلى عن الأراضي للمتطرفين». وعندما سئل حول ما إذا كان ذلك يعني تراجعه عن وعده في عام 2009 بدعم حل الدولتين، أجاب: بالطبع. ولم يكتف بذلك، وإنما اتهم حكومات أوروبا الغربية بتمويل حملة تهدف لإقصائه من السلطة. وزعم أن هناك جهوداً مكثفة، بعشرات الملايين من الدولارات، لحشد الأصوات العربية، بهدف دعم هيرتزوج، لافتاً إلى أنها محاولات حثيثة بدعم من بعض الحكومات. وربط نتنياهو تلك الموضوعات ببعضها عن طريق تحذيرات عنصرية من عرب إسرائيل، مشيراً إلى أنه «إذا فاز حزب العمل، فإن هيرتزوج وليفيني سيصبحان رئيسي الوزراء، وبدعم العرب، سيحدثان تغييراً جذرياً في السياسات على نحو يهدد أمن إسرائيل». وفي يوم الانتخابات، مع آخر توسلاته التحذيرية لأنصاره، شدد على أن الناخبين العرب يخرجون أفواجاً إلى صناديق الاقتراع، وتنقلهم المنظمات اليسارية في حافلات! كان ذلك هو نتنياهو الحقيقي، المجرد من أي مظاهر خداع، وليس الشخص الذي ادعى ذات مرة تأييده للسلام أو الذي تعهد إفكاً بدعم فكرة الدولة الفلسطينية.. كان ذلك هو «بيبي» الذي فاز. وهو نتنياهو نفسه الذي أثنى ذات مرة على اتفاقات أوسلو، وقاد حملة في الوقت ذاته لنزع الثقة من رابين عبر تشكيل فريق مع نيوت جينجريتش (زعيم الجمهوريين في الكونجرس آنذاك) لإحباط جهود إدارة كلينتون. وهذا هو نتنياهو الذي انتُخب في 1996 على وعد الالتزام باتفاق أوسلو، ثم ما لبث أن حنث في وعده بالقضاء على عملية السلام. وهو ذاته نتنياهو الذي عندما تعرض لضغط من الغرب، قدم نفسه كزعيم لا يرغب في أكثر من السلام، بينما مضى قدماً في سياسات لا تزيد إلا من إذلال الفلسطينيين واستفزازهم، مع إضعاف قيادتهم ونزع الثقة منها. وهو نتنياهو المناور المخادع، فعندما ضغط عليه الرئيس كلينتون لتوقيع اتفاقية مع الفلسطينيين، فعل، لكن عند عودته لم يفعل أي شيء لتنفيذها، وإنما بذل كل ما بوسعه لإحباطها. وعندما ألح عليه أوباما، صرح بتأييده لحل الدولتين، ثم أضاف تحذيرات تنسف تأييده. وفي حكومتيه الأخيرتين، سعى نتنياهو إلى إخفاء ازدرائه للسلام، بضمه أفراداً إلى ائتلافه يمكنهم منحه غطاء سياسياً. وكان إيهود باراك وتسيبي ليفني شخصيتين مشهورتين في الغرب، واستغلهما نتنياهو بمهارة في حماية حكومته من الانتقادات، بينما سعى لتكريس سياساته المناهضة للسلام، والمؤيدة للتوسع الاستيطاني. لكن غطاءه الآن قد انكشف، وأضحت حقيقة «بيبي» عارية أمام العالم. فأعلن رفضه حل الدولتين وازدراءه عرب إسرائيل. وفاز رغم ذلك. أصبح حكم نتنياهو الآن أمراً مفروغاً منه، إذ إن لديه أصواتاً من اليمين المتطرف تكفي لتشكيل حكومة ائتلافية يمكنها المضي قدماً في تطبيق أجندة مناهضة للسلام والعرب. وسيشمل ائتلافه ليبرمان الذي قال مؤخراً: «إن إسرائيل يجب أن تقطع رأس أي إسرائيلي عربي ضدنا»، ونافتالي بينيت الذي قال: «إن الفلسطينيين مثل شوكة في ظهورنا، وسأفعل كل ما أستطيع لمنعهم من نيل دولة». وسقط القناع، وماتت عملية السلام، فماذا عسى الغرب فاعل؟ هل سيتسامح مرة أخرى مع حماقات بيبي أم سيستخدم الضغوط التي لطالما تردد في استخدامها؟ وهل سينتظر الفلسطينيون الأسرى الذين فقدوا كل أمل في ظل عيشهم تحت وطأة الاحتلال الوحشي المذل طويلا لحل أوروبي؟