تحاول دول الخليج العربية جاهدةً أن تكون جزءاً من النظام الدولي الجديد، فحجم مواردها الاقتصادية، والطبيعية الضخمة، ونسبة التعليم الذي يحصل عليه الفرد فيها، وكذلك الاستقرار السياسي، يرشّحها لأن تكون جزءاً فعّالاً في النظام العالمي الجديد، الذي بدأت فيه كفّة الدول الآسيوية، بما فيها دول الخليج العربية، تلعب دوراً متصاعداً في ميزان التنمية العالمي، في الوقت الذي تتراجع فيه مساهمة بعض الدول الغربية، مع استمرار معدّلات النمو الاقتصادي فيها في التباطؤ عن المستويات التي كانت عليها من قبل. ويمكن القول إن النمو الاقتصادي والاجتماعي في دول الخليج العربية، قد تأتّى بفضل الجهود التي بُذلت من قِبل أبناء الخليج أنفسهم ونخبهم، وكذلك من أبناء الدول الشقيقة والصديقة الأخرى التي ساهمت عبر الستة عقود الماضية في بناء جزء من الحضارة المزدهرة التي نشهدها هذه الأيام في بلدان المنطقة ومجتمعاتها. وقد اعتمدت هذه المساهمات على ما يُسمّى بنظام الكفيل، وهو نظام ظهر فجأة في بلدان الخليج العربية في بداية السبعينيات مع الطفرة الاقتصادية التي شهدتها هذه البلدان. وليس لديَّ علم بمن بدأ في اقتراحه وتنفيذه في هذه الدول، وربما كانت هناك حالات مشابهة لهذا النظام في الولايات الجنوبية الأميركية التي استطاعت أن تستقطب آلاف العمّال الزراعيين الموسميين القادمين من بلدان أميركا الجنوبية، وبشكلٍ تعاقدي مؤقت، يعود إثره العامل إلى بلده بعد انتهاء عمله. والغريب أنّ دول الخليج العربية ليست هي الدول الوحيدة التي تستقدم العمالة بناءً على هذا النظام، فهناك بلدانٌ أخرى مثل أستراليا وكندا تطبّق أنظمة كفالة متعددة تلزم فيها مواطنيها، أو المؤسسات الخيرية فيها، بالصرف على المهاجرين الجدد وعائلاتهم لمدة سنة كاملة، وتطبّق أنظمة الهجرة هذه في الغالب على اللاجئين وعائلاتهم الذين يفرّون من آتون الحروب في بلدانهم. غير أنّ النقد الذي نشهده اليوم ضد بعض دول الخليج العربية، بعضه ذو طابعٍ إنساني بحت، والآخر ذو صلةٍ مباشرة بالانتخابات والصراعات السياسية التي تشهدها بعض المنظمات الدولية. ولعلّ أوضح مثال على ذلك إقحام موضوع «الكفالة» في انتخابات الاتحاد الدولي لكرة القدم «الفيفا» على خلفية إقامة كأس العالم في قطر عام 2022. ومثل هذا التوظيف السياسي من قِبل المتنافسين على رئاسة «الفيفا» قُبيل انتخابات رئاسة هذه المنظمة في 29 مايو المقبل، يشير إلى أن بعض الأوساط الرياضية الأوروبية بدأت تستهدف دول الخليج التي تستثمر بشكلٍ كبير في الاستحواذ على الأندية الرياضية الأوروبية. ومثل هذا الاستحواذ أمرٌ مشروع، حيث إن رياضة كرة القدم أصبحت رياضة عالمية، وبالتالي لم تعد ملكية هذه الأندية، أو حتى اللاعبين أو المدربين فيها، حكراً على بلدٍ معين. غير أن ما يهمنا هو موضوع الكفالة، وهذا الموضوع هو مسألة تعاقدية، أو ضمان شخصي بين صاحب العمل والعامل أمام السلطات المحلية، حيث يصبح صاحب العمل ملتزماً بدفع استحقاقات العامل بشكلٍ شهري منتظم، كما يلتزم بتصرفات المكفول القانونية أمام هذه السلطات. ولاشكّ أن هناك بعض الأفراد الذين أساؤوا في الماضي ولا يزالون يسيؤون إلى العمالة المستقدمة، خاصةً من ذوي الدخول الضعيفة، غير أن استغلال بعض حكومات الدول المصدِّرة للعمالة، يضرّ بدوره كلاً من العامل وصاحب العمل الخليجي. وقد دفعت ضغوط الدول المصدِّرة للعمالة لزيادة أجور بعض هؤلاء العمال، وخصوصاً العمالة المنزلية، إلى مستويات غير مقبولة، ومكلّفة لأصحاب الدخول المتوسطة في بلدان الخليج. والحقيقة أنّ هذا الموضوع متشعّب ويمكن أن يتم توظيفه من قِبل قوى متعددة أجنبية للضغط على دول الخليج العربية، وهناك حاجة للتنسيق حول الموضوع بشكلٍ جماعي ضمن أُطر مجلس التعاون لدول الخليج العربية. *أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود