صدمات متتالية يتلقاها العرب الذين صدقوا أميركا وراهنوا عليها في مواقع ومراحل ومحطات مختلفة. هؤلاء كانوا يعتقدون أن أميركا، من إدارة بوش إلى إدارة أوباما، سوف تواجه إيران، وتضع حداً للأحزاب والقوى المتحالفة معها في إطار محور سميّ «محور المقاومة والممانعة»، ونُعت من قبل أميركا بـ «محور الشر». كان رأيي منذ البداية مختلفاً. وكنت أقول للجميع في لبنان وخارجه وفي أصعب الظروف، وأيام الانقسام الأفقي والعمودي في بلدنا، إن الأميركيين يكذبون، يريدون استخدام كل شيء لمصلحتهم. يريدون استخدام تضحياتنا ودمائنا لمصلحتهم فقط. وبالتحديد يريدون تخريب البيت العربي وبشكل أخص البيت السُني حيث الكثافة العددية والكتلة المالية الكبيرة، والمدّ العربي القوي، المحتضن للقضية الفلسطينية أساس الصراع في المنطقة، ولقضايا إنسانية وعادلة أخرى. وكل ذلك للسيطرة على النفط، وضمان وصوله إلى أميركا والغرب. وبشكل أساسي لضمان أمن إسرائيل وسيطرتها وتفوقها. ولذلك هم يفتعلون كل الأزمات، ويدفعون في اتجاه تعميقها، وإثارة النعرات المذهبية والطائفية، لأن المصلحة الأهم والأسهل هي هذا النوع من الصراع في المنطقة. فتنهب ثرواتها وتبدّد إمكاناتها، وتفكك جيوشها ومؤسساتها وتزرع الأحقاد في النفوس ويتم إضعاف وإفقار الجميع ومصادرة قرارهم! طبعاً، أميركا وإسرائيل ومن معهما يعمل وفق مصلحته. والحق علينا نحن. أولاً، إذا لم نقرأ ونشخص الحالة بشكل صحيح. وثانياً إذا لم نشخص الحل بشكل صحيح. وللأسف هذا ما حصل. وأبرز تجليات هذه النتيجة ما جرى في الأيام الأخيرة، والذي يمكن اختصاره بالتالي: - رئيس جهاز المخابرات المركزية الأميركية يقول: لا نريد انهيار النظام السوري ومؤسساته خشية أن تسيطر الفئات المتطرفة عليها، وعلى رأسها تنظيم "دولة الخلافة الإسلامية"! شكّل هذا الكلام الصدمة الأولى، ورافق ذلك تساؤلات: إذا كنتم لا تريدون انهيار أو تطيير أو سقوط النظام، فلماذا تتحدثون عن تدريب «المعارضة المعتدلة» - الكذبة الكبرى -؟ وهي معارضة لمواجهة من؟ تنظيم "داعش" أم النظام؟ أو أنتم تقولون إنها لتمسك بالأرض بعد التخلّص من "داعش"؟ - أكد في كلامه أن وسائل التواصل الاجتماعي تضخم الحديث عن الإرهاب: غريب هل هذه الوسائل هي التي تحدثت عن حرب مع «داعش» قد تستمر لسنوات نظراً لخطورته التي يمكن أن تطال عواصم العالم الكبرى؟ وهل هذه الوسائل هي التي شكلت التحالف الدولي للدخول في هذه المواجهة؟ - وزير الخارجية الأميركي جون كيري أكد أن أميركا ستضطر إلى التفاوض مع الأسد للوصول إلى حل سياسي في سوريا. الأسد ردّ بازدراء: هذه أقوال نريد رؤية الأفعال! ويشترط على الأوروبيين والغربيين فتح السفارات في دمشق للتعاون معهم بشأن الإرهاب. ويستقوي على الناس في الداخل! سلسلة من التصريحات الأميركية انهالت لتوضح الموقف الأميركي رداً على تصريحات قاسية من فرنسا وبريطانيا ودول أخرى منتقدة الموقف الأميركي. ولكن لا شيء تغيّر! - التقريرالخاص لأجهزة المخابرات الأميركية تحدث عن قلق من إيران و"حزب الله"، ولكن لم يشر إليهما كما كان التركيز في السابق أنهما يمثلان قوة إرهابية! - وفي الحديث عن إيران. قيل كلام أميركي واضح حول «المصالح المشروعة» لإيران التي تدفع إلى تفهم تدخلها في العراق ضد «داعش» مباشرة. وإلى تنسيق بين واشنطن وطهران من خلال وسطاء عراقيين! رغم أن ما يجري في المعركة في تكريت ومحيطها حظي باهتمام عربي إسلامي ودولي كبير، وكان موضع تعليقات أميركية أيضاً، وكلها يحذر من انعكاسات ما يجري على مستوى العلاقات السنية – الشيعية في البلاد وامتداداً في المنطقة لاسيما بعد تجاوزات كبيرة ارتكبتها قوات عراقية رسمية، والميليشيات الداعمة لها ضد السنة، الأمر الذي دفع بآية الله السيستاني المرجعية العراقية إلى انتقاد هذا الأمر، إلى جانب انتقاده الموقف الإيراني الذي ورد على لسان "علي يونسي" مستشار الرئيس روحاني، والذي تحدث عن امبراطورية فارسية عاصمتها بغداد. ولم تقل أميركا كلمة في هذا الاتجاه علماً بأن عدداً كبيراً من الإيرانيين في مواقع مختلفة انتقدوه! - بثت وسائل إعلام أميركية صوراً لأعمال عنيفة مشابهة لما تقوم به عناصر من «داعش». قتل، قطع رؤوس، رمي الناس من أبراج عالية، سحل، عندما قامت "داعش" بذلك عممّت وسائل إعلام عالمية الصور لتظهر مخاطر الإرهاب وتحذر منه وتدعو إلى مواجهته ثم تتهم أميركا وسائل التواصل الاجتماعي بتضخيم الحديث على الإرهاب إضافة إلى السؤال الذي يطرح: تحججت الولايات المتحدة بالخوف من وقوع سلاحها بيد المتطرفين لتبرير عدم تسليح المعارضة. ماذا تقول اليوم عن «القوات الشرعية» المدربة من قبلها والحاملة سلاحها، والتي ترتكب من خلالها ممارسات مشابهة تماماً لما يقوم بها "داعش"؟ هذه نماذج من ممارسات ومواقف الإدارة الأميركية ومؤسساتها. فهل يبقى المراهنون عليها على مواقفهم، ينظمون المناحات كلما «خانتهم» أم يستفيدون مما تبقى من وقت للاستفادة مما تبقى من إمكانات للمحافظة على ما تبقى من كرامة ومصلحة وعناصر لضمان المستقبل؟ وزير الأشغال العامة والنقل اللبناني السابق