تُجرى حالياً مناقشة اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي، التي تعد واحدة من أكبر القضايا الاقتصادية الدولية، وهي اتفاقية تجارية متعددة الأطراف وتشمل معظم الدول في منطقة آسيا والمحيط الهادي إلى جانب الولايات المتحدة. ويتشكك كثير من الناس عادة، سواء هنا في أميركا أو في الخارج، في الاتفاقات التجارية الدولية، في حين أن الاقتصاديين عادة ما يؤيدونها. وعلى رغم ذلك، فإن الديناميكية هذه المرة تختلف قليلًا - فاتفاقية الشراكة عبر الهادي لا تحظى بتأييد الاقتصاديين اليساريين مثل «بول كروجمان» و«ديم بيكر»، من مركز أبحاث السياسات الاقتصادية. ويرى «كروجمان» أنه بما أن التجارة الأميركية محررة بالفعل بشكل جيد -في ظل انخفاض التعريفات الجمركية وغيرها من الحواجز التجارية- فإن عائد مزيد من التحرر سيكون ضئيلًا. ويشير إلى أنه باستثناء بعض المكاسب، فإن تمرير اتفاقية الشراكة عبر الهادي ليس هو الاستخدام الأمثل لرأس المال السياسي من جانب أوباما. أما «بيكر» فيرى أنه ما دامت أسعار الفائدة الأميركية ما زالت قريبة من الصفر، فإن اتفاقات التجارة ستضر باقتصاد الولايات المتحدة عن طريق ما يسمى الآثار الكينزية -فهو يقول إنه حيث إن الطلب الكلي شحيح، فإن التجارة تبقى كلعبة ذات محصلة صفرية. وعادة ما أكون ضمن المتشككين في التجارة الحرة. والحجة القياسية للتجارة الحرة -نظرية ريكاردو للميزة النسبية التي يتعلمها الجميع في مبادئ الاقتصاد الجزئي- قد تبدو بسيطة جداً. ولكن في هذه الحالة، أقف مع المؤيدين لاتفاقية الشراكة عبر الهادي. وهناك الكثير من الحجج الوجيهة لصالحها. وقد أجرى «براد ديلونج»، الخبير الاقتصادي بجامعة كاليفورنيا- بيركيلي، بعض الحسابات التقريبية السريعة في هذا الصدد وخلص إلى أن اتفاقية الشراكة عبر الهادي ستزيد الثروة في العالم بإجمالي 3 ترليونات دولار. ويرفض «ديلونج» فكرة «بيكر» القائلة إن اتفاقية الشراكة عبر الهادي ستؤدي إلى تسرب الطلب من الولايات المتحدة، مشيراً إلى أن أسعار الفائدة لن تظل قريبة من الصفر لفترة طويلة. وقد شارك خبراء الاقتصاد «ديفيد أوتور» و«ديفيد دورن» و«جوردون هانسون» في إعداد دراسة شهيرة تشير إلى أن التجارة مع الصين أضرّت بالعمالة في الولايات المتحدة. بيد أنهم يؤيدون اتفاقية الشراكة عبر الهادي بقوة، ويشيرون إلى أن وظائف التصنيع لن تعود مرة أخرى، ولكن تحرير تجارة الخدمات وصناعات المعرفة من خلال اتفاقية الشراكة -وهي مجالات تتفوق فيها الولايات المتحدة- سيعطي دفعة قوية للعمال الأميركيين. وفي هذا السياق، كتبوا: «إن عدم التناسق المضاد للتنافس في النظام التجاري العالمي يضر الشركات الأميركية بشكل غير متناسب في الوقت الحالي. ولذا فإن تطبيق اتفاقية الشراكة سيوفر الحماية ضد مظاهر عدم التماثل هذه بالنسبة للشركات الأميركية». واستطردوا: «وبدلًا من ذلك، فإن أجندة تجارية مسؤولة يجب أن تسعى إلى تقديم بنية سياسية داعمة -حماية لحقوق الملكية الفكرية والتحرر من لوائح المصادرة- تتيح للشركات الأميركية التفوق في القطاعات التي تتمتع فيها بالقوة». وبالتأكيد، هناك أدلة تدعم تنبؤ هؤلاء العلماء. فقد وجد خبيرا الاقتصاد «جيني لين» و«ووليام لينكولن» أنه في حين أن 9% فقط من شركات التصنيع الأميركية تحمل براءات اختراع، فإن هذا هو الحال مع 89% من المصدرين. كما وجدا أن مصدري السلع المصنعة الأميركية لديهم حساسية فائقة لحماية براءة الاختراع -وكلما زادت ضمانات حماية الملكية الفكرية دولياً، استطاعت هذه الشركات زيادة صادراتها. ونظراً للعجز التجاري الكبير للولايات المتحدة في السلع المصنعة، فإن هذا يجب أن يكون سبباً ملموساً لتأييد اتفاقية الشراكة. وبطبيعة الحال، فإن قطاع الخدمات مهم، بيد أن التصنيع هو المجال الذي يحقق الغالبية العظمى من المكاسب الإنتاجية. وهناك سبب آخر لدعم اتفاقية الشراكة عبر الهادي يتعلق بالجغرافيا السياسية. وفي هذا المقام يشير «تايلر كوين»، من جامعة جورج ميسون، إلى أن هذه المعاهدة تعطي الولايات المتحدة الفرصة لتعزيز تحالفاتها في منطقة آسيا والمحيط الهادي في الوقت الذي تزعزع فيه قوة الصين المتزايدة استقرار المنطقة. ويرى «كوين» أنه «إما أن يتم هذا الاتفاق بشروط أميركية، أو أن يظهر اتفاق بديل بشروط صينية دون مشاركتنا. ولأسباب تتعلق بالسياسة الخارجية، فإننا نفضل الخيار الأول، كما أن الأسلوب العملي لدى الرئيس أوباما يفهم ذلك جيداً». ----------- نوح سميث، أستاذ التمويل بجامعة ستوني بروك، بنيويورك ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»